للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الواحدي: الركونُ السُّكُونُ إلى الشيء، والميلُ إليه بالمحبة، قال ابنُ عباس: لا تميلوا، يريدُ في المحبة، ولين الكلام والمودة. وقال عكرمة: هو أن يطيعهم أو يودَّهم.

وقال الرازي (١): الركونُ المنهي عنه عند المحققين: الرِّضى بما عليه الظلمةُ من الظلم، وتحسينُه لهم أو لغيرهم، وأما مداخلتهم، لدفع ضرر، أو اجتلاب منفعة عاجلة، فغيرُ داخل في الركون. انتهي تفسير السيد للركون بعدَ حكايته كلام الزمخشري وما ينَاسبه.

فظهر من ذلك أن معنى الآية ظني، وذلك منافٍ لقول السيد: إن المنع من قبول المتأولين قاطع، ويدل على أن ذلك ظني مع ما ذكره السَّيِّد -أيده الله-: أن الركونَ هو الميل في أصل اللغة، ومنه: أركنت الإناءَ: إذا أصغيتَه، وأركن الرَّحْلَ: أماله، قاله الزمخشري (٢)، وكذا قال (٣) في قوله تعالى: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} أي: تميل.

ولا شك أن الميلَ إنما يصح إطلاقُه على الحقيقة في الأجسام، فثبت أن هذا الركون مجازٌ، والمجازُ يحتاج إلى علاقة ظاهرة، ألا ترى أنهم قالُوا: يقال للشجاع: أسد لظهور العلاقة، وهي قوة القلب، ولا يقال للأبخر: أسد لخفاء العلاقة، وهي ما فيه من البَخَرِ، فأكثر السامعين لا يفهم معنى الكلام لخفاء معنى (٤) هذه العلاقة، ولم يبين السَّيِّد المشبِّه وهو المقصود في الآية، فأما الميلُ الحقيقي الذي هو كميل الإِناء، فليس بمحرَّم، ولا


(١) " مفاتيح الغيب " (١٨/ ٧٢).
(٢) " الكشاف " (٢/ ٢٩٦).
(٣) " الكشاف " (٢/ ٤٦٠).
(٤) لفظ " معنى " ساقط من (ب) و (ج) و (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>