للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّك إنما أتيتَ بالحق الذي هو ضاحك لِيصاحب الصاهل، فيقبل الأبلهُ الصاهِل الذي هو باطل لمصاحبة الضاحك الذي هو حق، ولو أنَّه قال: الإنسانُ صاهل كان ذلك لعله مما لا يخفى على الأبله.

فإن قلتَ: وكيف مشابهةُ كلام السَّيِّد لِهذا.

قلت: هو مثلُه حذو النعل بالنعل، لكنه أورده غير مركب تركيبَ البرهان، فإذا ركبتَه انكشف كذلك، فإنَّهُ يجيء في التركيب: كُلُّ جبري، فإنه يقولُ: أفعالُهُ مِن الله، ولا معنى للثواب والعقاب عليها، وكُلُّ من قال ذلك، فهو مجروح غيرُ مقبول في الرواية. فقوله: فهو يقول: أفعالُهُ من الله صادق مثل قولنا: كل إنسان ضاحك، لكنه غيرُ منتج لمقصوده، فضم إليه أن الجبري يقولُ: لا معنى للثواب والعقابِ، لينتج له مقصودُه كما ضم المغالِطُ الصاهل إلى الضاحك لينتج له مقصوده، وصاحب بينَ الحق والباطل، ليخفي الباطل في جنب الحقِّ كما صاحب ذلك بينَ الضاحك والصاهل، ولو أنَّ السَّيِّد قال: إن الجبرية يذهبون إلى أن الله لا يُثيب ولا يُعاقب من غير قوله: إنهم يقولون: أفعالُهُم من الله، لكان ذلك أقربَ إلى أن لا يلتبس بطلانهُ على الأبله عند سماعه.

وفي قوله: فالإثابةُ والعقابُ عليها لا معنى له. مغالطةٌ لطيفة قَلَّ منْ يتنَبَّهُ لها، وذلك أنَّه أراد أن ينسب إليهم أن (١) الله لا يُثيب ولا يُعاقِبُ، فاستكبرها، لأنها تستلزِمُ أن يَنْسِبَ إليهم القولَ بأنه لا جَنَّةَ ولا نار، وأنه لا دَارَ بعدَ هذه الدار، لا للأبرارِ، ولا للفجار، فعَدَلَ عن هذا لبشاعته إلى ما يستلزم معناه، ولا يستغلطه السامعُ في عبارته، ومثل هذا الغِلاط ينكشِفُ بأدنى تأمل، ولا يخفي على مَنْ له أنس بعلوم النظر.


(١) في (ب): القول بأن.

<<  <  ج: ص:  >  >>