للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما صدقُ الوعدِ والوعيد، فإنه مما لا يُعرف إلا بالعقل، وفرق بينَ ما لا يُعرف بالعقل وبينَ ما لا يُعرف إلا به.

قلت: هل ترِيدُ أن بينَهما فرقاً (١) يُسوغ الكذب في أنا نَنْسُبُ إليهم القولَ بما لم يقولوه، فهذا ممنوع، أو تريدُ أن بينَهما فرقاً يُسوغ لهم أن يلزموه ذلك، فمسلم، ولا يضر تسليمُهُ، لأن كلامَه فيما يدل على صدقِ المتدين منهم، وفيما لا يدل على ذلك من اعتقادهم، وليس كلامُنا فيما يلزمهم مما لا تأثيرَ له في ظَنِّ صدقهم أو كذبهم.

فإذا عرفتَ هذا، فاعلم أن السيدَ لما نسب إليهم ما لم يقولوه، وعرف أن مذهبَهم المنعُ منه بالدليل السمعي، وأن ذلك لا يخفى، حاول أن يُبْطِلَ كونَ ذلك مذهبَهم فلا أدري كيف طَمِعَ في الاستدلال على بطلان ما ثبوتُه معلوم بالضرورة، وما هو إلا كما وَرَدَ في الحديث " حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي وَيُصِم " (٢) وقد استدل السَّيِّدُ -أيَّده الله- على بُطلان كونِ ذلك مذهَبَهم بأنهم لا يعلمونَ مَن شاء اللهُ أن يَغْفِرَ له لِقوله تعالى: {يَغْفِرُ لِمَنْ


(١) في (أ) و (ب) و (ج): فرق والمثبت من (ش).
(٢) حديث ضعيف، أخرجه من حديث أبي الدرداء أحمد ٥/ ١٤٩ و٦/ ٤٥٠، وأبو داود (٤١٣٠)، والبخاري في "تاريخه" ٣/ ١٧١، ويعقوب الفسوي في " تاريخه " ٢/ ٣٢٨، والقضاعي في " مسند الشهاب " (٢١٩)، والطبراني في " مسند الشاميين " (١٤٥٤) و (١٤٦٨) من طرق عن أبي بكر بن أبي مريم، عن خالد بن محمد الثقفي، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا سند ضعيف. أبو بكر -وهو ابن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي- ضعيف كان قد سرق بيته، فاختلط.
وقال الحافظ العراقي في ما نقله عنه المناوي في " فيض القدير ": إسناده ضعيف، وقال الزركشي: روي من طرق في كل منها مقال، وقال المصنف كأصله: الوقف أشبه.
وفي الباب عن أبي برزة الأسلمي عند الخرائطي في " اعتلال القلوب " وعن عبد الله بن أنيس، عند ابن عساكر في " تاريخه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>