للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم نأمنه، ولم نُصَدِّقْهُ، وإن قال: إن سريرتَه حسنة. ورواه أحمد في " مسنده " (١) مطولاً، وأبو داود (٢) مختصراً وهو من رواية أبي فراس (٣) عن عمر، قال أبو زرعة: لا أعرفه.

وروي أنَّ العباسَ قال: يا رسولَ الله كنتُ مكرهاً يعني يومَ بدرٍ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " أما ظاهِرُك فكانَ علينا وأما سَرِيرَتُك فإلى اللهِ " (٤) انتهى كلامه من كتاب " تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ".

وأقولُ لا حجَّةَ في هذا الحديثِ على قبول المتأولين، سواء قلنا بصحته أو لا، وذلك أن الظاهرَ المذكور في الحديث هو ما بَدَا للإِنسان من الأحوال وسائر الأمور المعلومة دونَ البواطن الخفية، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمِّه العباس: " كَانَ ظَاهِرُك علينا " يُريد ما علمنا بما أضمرت، إنما عرفنا ما أظهرتَ وكون الراوي صادقاً أو كاذباً في نفس الأمر ليس مما يسَمَّى ظاهراً في اللغة العربية، والعرفِ المتقدم، وإنما هو اصطلاحُ الأصوليين، يُسَمُّون المظنونَ ظاهراً، ولم يثبت هذا في اللغة، ولا يجوز أن يُفسر كلامُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باصطلاح الأصوليين، ألا ترى أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل صدقَ عمِّه العباس في دعواه للإكراه ظاهراً، وإن كان صدقُه بعدَ إسلامه مظنوناً راجحاً، بل الظاهر أن صدقَه قبل إسلامه كان مظنوناً راجحاً، لأنَّه كان من أهل السيادة والأنَفةِ من الكذب في الأخبار التي لا يُعلم صدقُها وكذبُها،


(١) ١/ ٤١ من طريق إسماعيل، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي فراس، قال: خطب عمر بن الخطاب، فقال ....
(٢) رقم (٤٥٣٧) من طريق أبي صالح، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سعيد الجريري بإسناد أحمد.
(٣) يقال: اسمه الربيع بن زياد، قال الحافظ في " التقريب ": مقبول.
(٤) انظر " الطبقات " ٤/ ١٣ - ١٤ لابن سعد، و" سير أعلام النبلاء " ٢/ ٨١ - ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>