للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكليفَه عليه السلامُ في ذلك كتكليف أُمته من غيرِ فرق.

وأما الشرائعُ التي تثبُتُ بالوحي، وتقرَّرَتْ قواعدُها، فلا تكونُ إلا بالوحي في حقِّه عليه السلام، وباتباع الأدلةِ الصحيحة التي لا باطلَ فيها، ولا في قواعدها باطناً ولا ظاهراً في حقِّ أمته المعصومة، والله عز وجل أعلَمُ.

وتلخيص المسألة: هل يجوزُ على المعصوم أن يخطىء ظنُّهُ؟ قال ابن الصلاح: لا يجوزُ، وسبقه إلى ذلك محمدُ بنُ طاهر المقدسي، وأبو نصر عبدُ الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف.

قال النواوي: وخالف ابنَ الصلاحَ المحققون والأكثرون، فقالوا: يُفِيدُ الظن ما لم يتواتر.

قلت: مِن أدلة الجمهور {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَان} [الأنبياء: ٧٩] وحديثُ " إِنَّما أقْطَعُ لَهُ قِطْعةً مِنْ نَارٍ "، وحديثُ " حكم داود بينَ المرأتين في الولد الذي تنازعاه، فإنه حَكَمَ به للكُبرى، ثم تحاكما إلى سُليمان، فحكم بقطعه نصفين بينهما، فقالت الصُّغرى: لا، فحكم به لها " (١).

ويُمْكنُ الجوابُ عن هذا كله أن الحديثَ وارد في القضاء بينَ الناس، والآية محتملة لذلك غيرُ ظاهرة في خلافه، وقد بينا الفرقَ بينَ القضاء وغيره، ولو جاز تخطئةُ المعصومِ في كل ظنٍّ، لزم أن لا يكون


(١) أخرجه أحمد ٢/ ٣٢٢ و٣٤٠، والبخاري (٣٤٢٧) و (٦٧٦٩)، ومسلم (١٧٢٠) والنسائي ٨/ ٢٣٥ من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كانت أمرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقُّه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى ".

<<  <  ج: ص:  >  >>