للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يجمع بينَ هذه الأدلة أن متابعةَ الأمة واجبةٌ في الأصول والفروع، ودليلهم الظني في الفروع لا يَخْرُجُ عن كونه ظنيّاً، فيكون متعلقَ الظن دليلُ الحكم وطريقُه، ومتعلقَ العلم وجوبُ العمل، ولا تناقضَ في ذلك، وقد قال الفقهاء بمثل ذلك في تسمية الفقه علماً، وقالوا: إنَّ الظن في طريقه، ومتى حصل، عَلِمَ المجتهدُ وجوبَ اتباع ظَنِّه، والله سبحانه أعلم.

وحاصِلُ المسألة: أنَّه يجوزُ الخطأُ في ظنِّ المعصوم لمطلوبه، لا لمطلوبِ الله منه، ولا يُناقِضُ العصمةَ بدليل العقل والسمع، أما العقل، فلأن معنى الظن يستلزِمُ تجويزَ الخطأ، فلو امتنعَ الخطأ في ظَنِّ المعصومِ، لم يكن ظنّاً، والفرضُ أنَّه ظن، وأما السمعُ، فلقول يعقوب في قصة يامين: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف: ١٨] وقوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَان} [الأنبياء: ٧٩] ولأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سها في صلاته وهو يظنُّها تامة (١)، ولقوله: " فمَنْ حَكمْتُ لَهُ بِمَالِ أخِيهِ، فَإنَّما أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ " ولأن هذا بمنزلة الخطأ في رمي الكفار.

قال: وقد ثَبتَ بهذا بطلانُ حجة القابلين لفاسقِ التأويل، وإنما الكلامُ: هل: هذه المسألة قطعية أم لا؟ أعني أنهم لا يقبلون، وعلى طريقةِ القاضي الباقلاني أنها قطعية، لأن القطعي عنده ما كان ظنُّ صحته


= وأخرجه الطبراني في " الكبير " (١٣٦٢٣) من طريق آخر صحيح عن ابن عمر. وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي (٢١٦٦)، وسنده قوي.
(١) أخرجه من حديث أبي هريرة، مالك في " الموطأ " ١/ ٩٣ - ٩٤، والبخاري (٤٨٢) و (٧١٤) و (٧١٥) و (١٢٢٧) و (١٢٢٨) و (١٢٢٩) و (٦٠٥١) و (٧٢٥٠)، ومسلم (٥٧٣)، وأبو داود (١٠٠٨) و (١٠٠٩) و (١٠١٠) و (١٠١١) و (١٠١٢)، والنسائي ٣/ ٣٠ - ٣١، والترمذي (٣٩٤) وانظر رواياته في " جامع الأصول " ٥/ ٥٣٧ - ٥٤٠ الطبقة الشامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>