للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثبت التجوزُ بالعادة وهي ظنية، وحكموا بها في تفسير كتاب الله تعالى فقالوا في {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} (١) [المسد: ٤]: إن المرادَ بها نَمَّامة لمَّا كانت مِن أهل الشرف والثروة والترفة في أحدِ التفسيرين، واتفقوا على التجوز في قوله تعالى: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} [غافر: ٣٦] لأجل القرينة العرفية.

الحجة الثالثة عشرة: أنَّه ينتفي الظن في الطواهر والحقائق الظنية الموجبة للتجوز وتقريره كما مر في الثانية عشرة، وخبرُهُم قرينة ظنية بغير شك، فوجبَ قبولُه.

الحجة الرابعة عشرة: أنَّه قد ثبت أنَّه مَنْ أكثرَ من ارتكاب المعاصي الملتبسة على جهة التعمد، وأصَرَّ عليها مع العلم بقُبحها، فإنه مجروحُ العدالةِ، غيرُ مقبولٍ في الشهادة والرواية، ومن عصى معاصيَ كثيرةً لا تَبْلُغُ الكفرَ والفسق وكان متأوِّلاً فيها، غيرَ عالم بقبحها، فإنَّه مقبولُ الشهادة والرواية، مع أنَّ معه دليلاً لو أنصف وتأمَّلَه، عَلِمَ الحق كالفاسق المتأوِّل سواء، فدل على أن العلة في القبول هي صدورُ المعصية على جهة التأويل، صغيرةً كانت أو كبيرةً، وليست العلةُ الفسقَ، ألا ترى أنا نَرُدُّ من تعمد المعاصي، وإن لم يكن فسقاً، ونقبل مَنْ فعلها بعينها متأولاً، فقد


(١) في تفسيرها أقوال، أحدها: أنها كانت تمشي بالنميمة، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسُّدِّي، والفراء، وقال ابن قُتيبة: فشبهوا النميمة بالحطب، والعداوة والشحناء بالنار، لأنهما يقعان بالنميمة كما تلتهب النار بالحطب.
والثاني: أنها كانت تحتطب الشوك، فتلقيه في طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلاً، رواه عطية، عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، وابن زيد، ورجحه الطبري.
والثالث: أن المراد بالحطب: الخطايا، قاله سعيد بن جبير.
انظر " معاني القرآن " للفراء ٣/ ٢٩٨ - ٢٩٩، و" زاد المسير " ٩/ ٢٦٠ - ٢٦١، والطبري ٣٠/ ٢١٩ - ٢٢٠، والآلوسي ٣٠/ ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>