للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن قد يُؤخذ من الآية حكمٌ لم يَرِدْ فيها على سبيل الاستنباطِ، وقد يكونُ ذلك من مفهومِ الموافقة (١)، وهو قطعي وظني، فالأوَّلُ مثل تحريم الضَّربِ مِن تحريم التأفيف، والثاني مثلُ وجوبِ الكفارة في قتل العمدِ من وجوبها في قتل الخطأ على قولِ الشافعي، وهذا مِن ذاك، فإن المفهومَ أن المشركين، إنَّما أُمِرُوا بسؤالِ أهل الكتاب لجهل المشركين وعلم أهل الكتاب في تلك الحادثة، فكذا (٢) كُلُّ حادثة يُوجد فيها عالم وجاهلٌ مِنَ المسلمين، فإنَّه يكون المفهومُ مِن الآية أن المشروعَ للجاهل مِن المسلمين أن يسأل العَالِمَ من أهلِ الإسلام، وهذا أولى من ذاك (٣)، أقصى ما في الباب أنَّه قياس على المنطوق، فالكُلُّ منهما حُجَّةٌ.

إذا ثبت هذا، فالآية عامة في العلماءِ المتنزهين عن البدع على سبيلِ التأويل، وليس يلزمُنا في هذه الحجة وأمثالها مثلُ ما ألزمنا السيدَ في


(١) ويسمى أيضاً دلالة النص، وفحوى الخطاب: وهو ثبوت حكم المنطوق للمسكوت بفهم مناط الحكم لغةً، وهو قسمان، فتارة يكون المسكوت أولى بالحكم من المنطوق، كقوله تعالى: {ولا تَقُلْ لهما أُفٍّ} فإنه يفهم تحريم الضرب مثلاً بالأولى، لأن مناط النهي عن التأفيف هو الإيذاء، وهذا مفهوم لغةً، فكان منهيّاً عنه، ومن جزئياته الضرب ونحوه، فيكون منهيّاً عنه أيضاً، بل أولى، وتارة يكون المسكوت مساوياً في الحكم للمنطوق، لأننا نعلم قطعاً أن كثيراً ما يفهم الحكم في المسكوت مع عدم الأولوية لفهم المناط لغةً، وذلك كإثبات الكفارة -بالأكل عمداً في صوم رمضان كالجماع الذي ورد فيه إيجاب الكفارة بحديث الأعرابي- عند الحنفية، وكإيجاب الشافعي الكفارة في القتل العمد، واليمين الغموس بنص الخطأ في القتل، وبنص غير الغموس في اليمين، وإيجاب حد الزنا في اللواطة في غير الزوجة والأمة عند الأئمة الثلاثة، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن بنص وجوبه في الزنى. انطر " جمع الجوامع " مع شرحه وحاشيته ١/ ٣٠٦ - ٣٠٧، و" الابتهاج في شرح المنهاج " ١/ ٣٦٦ - ٣٦٩، و" روضة الناظر " ص ١٣٨ - ١٣٩، و" نهاية السول " ٢/ ١٩٧ - ٢٠٠، و" المستصفي " ٢/ ١٩٠ - ١٩١.
(٢) في (ب): فكذلك.
(٣) في (ب): ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>