للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الإِشكالات، لأنا لم ندَّعِ أَنَّ المسألَة قطعية، وتلك الإِشكالات إنَّما ورد عليه أكثرُها لدعواه أَنَّ المسألة قطعية، وأما مَنْ أَقَرَّ أنها ظنية، فليس عليه إلَّا أن يستدِلَّ بدليل يُفيده (١) الظن، وليس عليه أيضاًً أن يُفيد غيرَه الظن، وإنَّما عليه أن يُبْدِيَ دليلَه لمن أراد أن يعرفه، فيستدل به، أو يعارضه.

الحجة السادسة عشرة: قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: ٢٧٥]، وقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: ١٢٣] وهذا عامٌّ في كل ما جاء عن الله، سواء كان مِن كلامه سبحانه وتعالى في القرآن العظيم، أو على لسانِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وسواء كان معلوماً أو مظنوناً، بل الأكثر مِن ذلك هو الذي جاءَ مظنوناً، وقد ثبت أن في القرآن العظيمِ ما معناه (٢) مظنونٌ، وما معناه معلومٌ، وثبت أنهما جميعاً مُعْتَدٌّ بهما، وأن المعنى المظنون من جملة ما جاء مِن عند الله تعالى، فكذلك السنة فيها معلوم و (٣) مظنون، وكل منهما مما جاء مِن عند الله تعالى، ألا ترى أن السيدَ إذا قال لعبده: إذا جاءَك لي قريبٌ، فأكرمه، وكان العبدُ لا يعرف أقاربَ سيده، فإنَّه متى أخبره مَنْ يظن صدقَه عن أحدٍ أنَّه مِن قرابة سيده، فإنه يَحسن منه إكرامُه، لأجل ذلك الخبرِ المظنونِ صدقُه، وكذلك إذا جاءه كتابُ سيده مع رجل يُوصيه، وعرف خطَّه، فإنَّه يَحْسُن منه العملُ به وإن لم يكن معرفة الخط يُفيده إلاَّ الظن، وقد تقرَّرَ أن المشروعَ في معرفة الحلالِ والحرام هو العلمُ أو الظن، كما ذكره المنصورُ وغيرُه من علماء العِترة عليهم السلامُ.


(١) في (ش) يفيد.
(٢) في (ب): " ما فيه " وهو خطأ.
(٣) ساقطة من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>