للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن لهذا العَدْلِي مثلُ عنايته، ولا انتهى في التحقيق إلى مثل نهايته، بل قد سَمِعَ الكتابَ مرة، ولم يحفظه عن ظهر قلبه، ولم يُكَرِّرْ فيه النظرَ، فإن قولَ المبتدع يكونُ أقربَ إلى الظن، وأقوى في الذهن عند كل منصف، ولهذا، فإنا لو قدرنا أن عابداً مِن أهل العدل والتوحيدِ قرأ القرآن مرةً: واحدةً على بعض أهلِ العدل، ولم يحفظه عن ظهر قلبه، ولم يُكثر من تلاوته، ثم تنازعَ في إعرابِ آية هو وابنُ شداد المقرىء المشهور شيخ ابن النساخ رحمه الله، لم يَشُكَّ عاقِلٌ في أنَّ روايةَ ابنِ شداد أقربُ إلى الصواب، وأرجحُ في الظنون.

وبعدُ، فالترجيحُ غيرُ التفضيل، وقد قال المؤيَّدُ بالله عليه السلامُ في كتاب " الزيادات " ما لفظه: والأقوى عندي أن تقليدَ المقتصِد في الفتاوى أولى لِفراغه دون السَّابِقِ، لأنَّه في شغل عن النظرِ والمطالعة. فنص عليه السلامُ على ترجيح تقليدِ غيرِ الأئمة السابقين على تقليدِهِم لأجل مرجح لا يتعلق بالتفضيل، فالأئمةُ الدعاة أفضلُ من السادة بالإِجماع.

وقد تكلَّم الإمام يحيى بنُ حمزة عليه السلامُ في تقليد الصحابة وقال: إنه لا يجوزُ تقليدُهم في هذه الأزمانِ الأخيرةِ، مع تجويزه عليه السلامُ تقليدَ الميت ترجيحاً منه عليه السَّلام لتقليدِ المتأخرين، لجمعهم العلومَ، وتبحرهم فيها، وادَّعى عليه السلامُ الإجماعَ على ذلك، وكذلك الجوينيُّ ادعى الإِجماعَ على ذلك، لكن (١) قال شارح " البرهان " (٢): إن


(١) ساقطة من (ب).
(٢) لمؤلفه العلاّمة المتفنن أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري المالكي المتوفى سنة ٥٣٦ هـ، قال القاضي عياض في " المدارك ": هو آخر المتكلمين من شيوخ إفريقية بتحقيق الفقه، ورتبة الاجتهاد، ودقة النظر. مترجم في " السير " ٢٠/رقم الترجمة (٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>