للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاجتهاد وبيْنَ بعض علومِهِ، سواءٌ كان أصعبَها أو أيسرَها، فليسَ بعضُ شرائط الشيْء إذا تَصَعبَ، كان ذلك الشيْءُ المشروطُ، ألا تَرى أنه لا يُقال: إن الطهور في الماء الشديدٍ البَرْدِ هوَ الصَّلاةُ، لأنَّه أصعبُ شروطِها، ولا يُقالُ: المشي إلى مَكة المشرفَةِ هوَ الحَجُ، وكَذلِك مَعْرِفَةُ الأخبار لا يقال فيها: إنَّها اجتهاد، لأنَّها أصعبُ علومِ الاجتهاد (١)؟ وهذِهِ الحُجَّةُ غلطية أو غِلاطية؛ لَأنَّ الاجتهادَ المذكورَ في الدَّعوى إمَّا أَنْ يرادَ بِه الاجتهادُ في العِلْم العرْفي، فذلِكَ غلَطٌ واضِحٌ، والدَّليل على ذلِكَ أنَّ مُجَرَّدَ التَّرجيحِ بالأخبار (٢) معْ فَرْضِ التَقليد، إما أنْ يكونَ صحيحاًً كما نَصَّ عليه المُؤَيَّدُ بالله، فلا شُبْهَة في (٣) أنه لَيْسَ باجتهاد، لَأن الفرضَ وقُوعُه مِنْ غيرِ مجتهدٍ، والاجتهادُ لا يَقعُ منْ غيرِ مجتهدٍ.

وأما إنْ كان الترجيحُ بالأخبار باطلاً مِنْ غير المجتهدٍ كما زعمَ السَّيدُ، فإن الترجيح حينئذٍ يكونُ اجتهاداً حقيقيّاً، لكنَ الترجيح الصحيح إذا لم يَكُنِ اجْتِهاداً، فالترجيح الباطِلُ أولى وأحرى أن لا يكونَ اجتهاداً.

وأمَّا إنْ أرادَ بالاجتهاد المذكور في الدعوى الاجتهادَ اللغَوِيٌ، فمُسَلمٌ أنَّ الترجيحَ بالأخبارِ اجتهادٌ لُغَوِيٌّ، كما أن الصَّلاةَ اجتهادٌ لُغوي، لكن الاستدلال به في هذه المسألة يوهِم أن المُتَكلمَ به أراد الاجتهادَ الاصطلاحِي، وهذه مغالطَةٌ ظاهِرَة.

قال: فهل يستنتج العَقِيمُ، ويُسْتَفْتَى مَنْ ليس بعليمٍ؟

أقول: الجواب على هذا مِنْ وجوهٍ.


(١) من قوله: " لأنها " إلى هنا سقط من (ب).
(٢) من قوله: " لا يقال فيها " إلى هنا ساقط من (ج).
(٣) " في " ساقطة من (ج).

<<  <  ج: ص:  >  >>