للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث: أنْ نقولَ: ما قصدُك " ويُستفتى مَنْ ليْس بعَلِيم "؟ هل قصدُكَ السجْعُ في الكلام، أو (١) الإفحامُ للخصمِ والإلْزَامُ؟ إنْ كانَ الأول، فالبُلَغَاءُ لا يستطيبون مِنَ الأسجاع مواردَها إذا كانت تنْقُضُ مِن المذاهب قواعِدَها، فهي تصلُحُ زينَةً للحُجَجِ الصحيحة، فمتى أفسدَتْها، كانت عِنْدَ البُلغاء قبيحةً، لكن سَجْعَ السيِّدِ هذا يهْدِمُ قواعدَه، ويخالِفُ مقاصِدَه، لأنَّه هُوَ الذي أجاز للْمُقَلِّدِ العقيمِ أنْ يُفْتِىِ وليس بعليم، وفي نُصْرَةِ هذا المَذْهبِ أنشأ هذِهِ الرِّسَالَة، وأعادَ وأبدا في نُصْرَةِ هذِهِ المقالَةِ وإنْ كان السَّيِّدُ قال ذلِكَ الكَلاَمُ عَلَى سبيلِ الإفحام لِخَصْمه والإلزام، فقد عادَ الإلزامُ أيضَاً إِلَيْه، وخَرَجَ الاحتجاجُ مِنْ يديه؛ لأنَّه الَّذي قضى بفقد المُجْتَهِدِينَ، وحَكَمَ بمرتَبَةِ الفتْيَا للمُقلِّدِينَ، واقتبس النَّارَ مِنَ الماءِ، والأنوارَ مِنَ الظَّلْمَاءِ، وأنتج العقيمَ، واستغنى عنِ العُلماءِ بمَنْ ليس بعليمٍ، وخَبَطَ مِنَ المناقَضَةِ في ليلٍ بهيم، وسَلَكَ مِنَ المماراة في صراط غير مستقيم، فبطلت حُجَّتُهُ واضْمَحَلَّتْ، وجاء المثَلُ: " رَمَتْني بِدَائِهَا وانْسَلَّتْ " (٢)، وقد أجمعَ العلماءُ قديماً وحديثاًً أنَّ التَّقليدَ ليس بِعِلْم، والمقلِّد ليس بعالِمٍ، فكيف تصدَّرَ السَّيِّدُ للتَّدريس والفتوى والمناظَرَةِ والتَّصنيف، وأنْكر على محمد بن إبراهيم التَّرجيح بالأخبار؟ زاعماً أنَّ ذلِكَ يؤدِّي إلى أنْ ينتجَ العقيم، ويُفتي مَنْ ليس بعلمٍ، مُصَدِّرَاً


(١) في (ب): و.
(٢) وأصل المثل أن سعد بن زيد بن مناة بن تميم كان تزوج رهم بنت الخزرج بن تيم الله بن رفيدة بن كلب بن وبرة، وكانت من أجمل النساء، فولدت له مالك بن سعد، وكان ضرائرها إذا سابَبْنَها، يَقُلْنَ لها يا عفلاءُ، فشكتْ ذلك إلى أمها، فقالت لها: إذا ساببنك، فابدئيهن بعَفال سُبيت، فأرسلتها مثلاً، فسابتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها، فقالت لها رهم: يا عفلاء، فقالت ضرتها: رمتني بدائها وانسَلَّت، فأرسلتها مثلاً، وبنو مالك بن سعد يقال لهم بنو العفيلى لهذا السبب. يضرب لمن يعير بعيبه غيره. انظر " أمثال أبي عبيد " ص ٩٢، و" المستقصى " ٢/ ١٠٣، و" اللسان ": عفل.

<<  <  ج: ص:  >  >>