للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تورط في موقفه، وأن الملك الاسباني لا يساعده في حركته الانفصالية إلا ليحقق مكاسب سياسية لمملكته على حساب الإمارة الأموية. فحاول العودة إلى الطاعة، لكن ألفونسو أفسد عليه خطته واضطره للقتال، فقتل وأسرت أخته جميلة (٢٨).

ثالثاً - حركة أو هيجة الرّبَضْ:

تعني كلمة الربض من الناحية اللغوية الحي أو الضاحية، والمقصود بها هنا المنطقة السكنية الجديدة التي استحدثت في قرطبة بعد أن أصلح الأمير هشام بن عبد الرحمن الجسر الذي يصل قرطبة القديمة المسورة بالضفة الأخرى من النهر، حيث تقع ضاحية شقندة. وقد سكن الكثير من الفقهاء هذه الضاحية لقربها من المسجد، الذي كان على الجانب الآخر من النهر في قرطبة القديمة. كما استقر أيضاً في هذا الحي أو الربض العديد من الحرفيين وأهل الأسواق، والتجار، ومعظم هؤلاء من المولدين.

وتعود جذور هذه الفتنة التي قادها الفقهاء المالكيون ضد الأمير الحكم بن هشام إلى انتشار قوة وتسلط هؤلاء الفقهاء في عهد أبيه هشام الذي كان يعمل بمشورتهم ويتأثر بنفوذهم. ولكن الحكم كان يختلف عن أبيه، فلم يكن ميالاً لقبول وصاية الفقهاء ولم يستسلم لتأثيرهم، بل كان على العكس يميل إلى اللهو والصيد وغيرها من الأمور التي لا يستسيغها الفقهاء. وهكذا نشأت هوة عميقة بين هؤلاء وبين الحكم الذي حدّ من نفوذهم. ولقد بدأوا بمحاربته بوسائل شتى، أهمها تأليب العامة عليه والطعن بسلوكه الديني والأخلاقي. استجاب العامة من سكان الربض لهذا التحريض، لأنهم أرادوا أن يكون لهم صوت مسموع في المجتمع، وخاصة أنهم كانوا طبقة اجتماعية كبيرة. لها آمالها وتطلعاتها الاجتماعية والسياسية. وكان للحكم أيضاً دوره في تأجيج هذه الفتنة بما وضعه من ضرائب جديدة ومغارم على الشعب (٢٩).

مرت هذه الفتنة بدورين، الأول حينما حاول وجوه أهل قرطبة وفقهاؤها القيام بمؤامرة لعزل الحكم في عام ١٨٩ هـ/٨٠٤ - ٨٠٥ م، واختيار أحد أقاربه من الأسرة الأموية الحاكمة بدلاً منه. ولكن هذا الأخير، واسمه محمد بن القاسم، تظاهر بالرضا، ثم أفشى بسر المؤامرة، وأسماء المتآمرين إلى الحكم. فقبض عليهم الأمير وصلبهم،


(٢٨) انظر: ابن القوطية؛ ص ٦٧؛ ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ص ٥٠١؛ عنان المرجع السابق: ١/ ٢٣٧ - ٢٥٨، بيضون، المرجع السابق، ص ٢٤١ - ٢٤٢.
(٢٩) أعمال الأعلام، ص ١٥.

<<  <   >  >>