للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد خلقت هذه العمليات العسكرية قلقاً عميقاً لدى عبد الرحمن الناصر حمله في النهاية على إجراء تعديلات في خططه العسكرية بعد أن أصبحت تجاوزات قوات الممالك الشمالية على الدولة العربية أمراً لا يمكن الإغضاء عنه فقرر توجيه ضربة انتقامية لمملكة ليون تصيبها في الصميم (١٠)، وقام بقيادة قواته مخترقاً الثغر الأوسط ثم عبر نهر دويره ونازل في طريقه مدناً وحصوناً عديدة منها مدينة أوسمة وحصن شنت اشتبين ومدينة قلونية، وتمكن من إحراز عدة انتصارات على أعدائه ودحرهم في مكان يسمى (خونكير) غربي بنبلونة حيث أبيدت معظم القوات المتحالفة ولوحقت فلولها التي تجمعت في حصن مويش والذي تم تدميره تماماً بعد سحق الفلول المعتصمة فيه (١١).

وذلك سنة ٣٠٨ هـ/٩٢٠ م.

وكانت نتائج هذه الحملة بما حققته من مكاسب عسكرية وتغيرات جغرافية بعد استيلاء عبد الرحمن الناصر على بعض المواقع المهمة، كافية لكبح جماح قوات اردونيو، خاصة وأن الجبهة الداخلية لم تعد الشغل الشاغل للناصر بعد أن تمكن من فرض سلطته على أهم معاقل التمرد، وصار لديه من القدرة ما يساعده على إحباط مثل هذه العمليات وتلقينها ما تستحق من العقاب والردع (١٢)، وقد أثبتت الأيام صلابة نظام الناصر فعندما سولت نفس شانجة أمير نافار سنة ٣١١ هـ له مهاجمة حصن بقيرة والاستيلاء عليه واقتراف جريمة قتل الأسرى في عاصمته بنبلونة (١٣)، كان رد الناصر سريعاً وقاسياً فقد أمر في السنة التالية باجتياح بلاد نافار وطرق العاصمة نفسها فدمرها وأحرقها وعلى الرغم من محاولات قوات نافار العديدة لصد قوات الناصر إلا أن جميع المحاولات باءت بهزائم متلاحقة اعتبر بها شانجة لسنوات عديدة (١٤).

وقد دخلت مملكة ليون في صراع شديد على السلطة بعد وفاة اردونيو الثاني سنة ٣١٣ هـ، واستمر هذا الصراع قرابة سبع سنوات، وكان من فوائده على الدولة العربية في الأندلس أن شلت الطاقات العدوانية لهذه الدولة وحليفتها نافار (١٥). وتفرغ الناصر لتصفية أطراف التمرد في الداخل والعمل على تثبيت أركان الدولة كما يجب لها أن


(١٠) بيضون: ٣٠٠.
(١١) ابن حيان: ٥/ ١٦٣، ابن عذاري: ٢/ ١٧٩.
(١٢) بيضون: ٣٠٠.
(١٣) ابن حيان: ٥/ ١٨٦، ابن عذاري: ٢/ ١٨٤.
(١٤) ابن حيان: ٥/ ١٨٩.
(١٥) ابن حيان: ٥/ ٣٤٤ وما بعدها، تاريخ ابن خلدون: ٤/ ١٤٢.

<<  <   >  >>