للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إزعاجهم، وضمن كتبه النافذة إليهم فصلاً، تشاهده الناس يومئذٍ وبعده، نصه: (وليكن حشدك حشراً لا حشداً) فانبعث منهم خلق عظيم بين الكره والموافقة، حمل أهل قرطبة حضرته، من ذلك أثقله وأحفله، لينفي بذلك الطماعية من أهل الكور في أخذ عفوهم، فانتهى من الاحتفال الغاية واستكثر من الآلات السفرية والعدد الحربية والأسلحة الشاكة، واستظهر على الاستقلال بذلك كله، بوفور الكراع وقوة الظهر والإكثار من المال للنفقة، واستقل بغزوته هذه بثقل لم يستقل بمثله قبل ملك ولا أمير من سلفه ...

وكان الناصر لدين الله قد أخرج قبل خروجه لهذه الغزوة الوزير القائد أحمد بن محمد بن إلياس بقطع من جيشه إلى ثغر الغرب احتياطاً على أهله كي لا تكون للعدو عليهم حيلة، عند إيغاله هو بالصائفة في أرضهم ... وتقدم الناصر بعده في عساكر الصائفة قاصداً سبيل جهاده، حتى وافى بحملته مدينة طليطلة يوم الخميس لسبع بقين من شهر رمضان، فأقام بها ستة أيام ثم رحل عنها يوم الخميس إلى الحصن ولمش ويوم الجمعة بعده إلى قلعة خليفة ... ويوم الأحد إلى محلة فج حميد ... واقتحم الناصر لدين الله بعساكره أرض العدو، فجال فيها أياماً من محلة إلى أخرى (١٩).

ويصف الرازي المعركة بقوله: " وكسر العسكر على باب شنت مانكش يوم الأربعاء (لعشرة بقيت من شوال) ثم صابحهم الحرب يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال، فجالت بين الفريقين بأشد ما يكون وأصعبه، ثم ناجزوا الحرب يوم الجمعة بعده، فصابروا المسلمين صبراً عظيماً إلى أن توجهت عليهم كرة، ثم كانت لهم كرة انحاز لها المسلمون، فانكشفوا انكشافاً قبيحاً، نيل فيه منال ممض، وألجأهم العدو في انحيازهم إلى خندق بعيد المهوى؛ إليه تنسب الوقعة، لم يجدوا عنه محيداً فتردى فيه خلق، وداس بعضهم بعضاً، لكثرة الخلق، وفيض الجموع ... وآل الناصر إلى كثف ما الجمع تخطتهم الركبة، فضم كشفهم، واحتل بهم بأعلى نهر بشورقة، وقد قصر العدو عن اتباعه، فاضطرب هنالك يومه ... ثم رحل قافلاً حتى خرج إلى مدينة الفرج المسماة وادي الحجارة ... ثم تقدم إلى قرطبة " (٢٠).

وتنحصر أسباب الهزيمة على الرغم من الاستعدادات والقوات الضخمة إلى عاملين أساسيين:


(١٩) المقتبس: ٥/ ٤٣٣ وما بعدها.
(٢٠) ابن حيان: ٥/ ٤٣٥.

<<  <   >  >>