للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشاطئ المحيط الأطلسي، وبذلك ضمت أعظم ممالك الطوائف، وأغناها من حيث الموارد الطبيعية وأقواها من حيث الطاقة الحربية ولم يكن يغشي هذه المكانة التي بلغتها إشبيلية من الفخامة والقوة والغنى سوى ناحية قاتمة واحدة. وهي موقفها من ملك قشتالة فرناندو الأول، ذلك أن هذا الملك القوي، كان يطمح إلى أن يبسط سيادته على إسبانيا كلها، وكان يرى في ممالك الطوائف، وما يسودها من الخلاف والتفرق، فرائس هينة، ففي سنة ٤٤٤ هـ/١٠٦٢ م خرج من قشتالة بجيش كبير من الفرسان والرماة، وغزا مملكة طليطلة، وعاث فيها وخرب سهولها وزروعها، حتى اضطر ملكها المأمون بن ذي النون، أن يطلب الصلح وأن يتعهد بدفع الجزية، وفي العام التالى ٤٥٥ هـ عاد فغزا أراضي مملكتي بطليوس وإشبيلية، " واضطر المعتضد بن عباد، أن يحذو حذو المأمون في طلب الصلح والتعهد بدفع الجزية، وقصد المعتضد بنفسه إلى معسكر ملك قشتالة، وقدم إليه عهوده شخصياً ولما توفي فرناندو بعد ذلك بثلاثة أعوام وخلفه ولده سانشو في حكم مملكة قشتالة، كان المعتضد يؤدي إليه الجزية أسوة بأبيه واستمر في تأديتها حتى وفاته " (٣٣). وعمله يعد سقطة من السقطات الكبيرة التي درج عليها حكام دول الطوائف، الذين سعوا إلى محالفة ورضاء أمراء وملوك إسبانيا الشمالية، وتفرغوا إلى نزاعاتهم الدموية ليزيدوا تاريخ الأمة في الأندلس إرهاقاً وضعفاً.

توفي المعتضد سنة ٤٦١ هـ/و ١٠٦٩م وخلفه ولده: أبو القاسم محمد بن عباد المعروف بالمعتمد (٣٤)، وفي عهده تم ضم قرطبة إلى دولة إشبيلية سنة ٤٦٢ هـ (٣٥)، ودخل المعتمد في صراع عنيف مع دولة غرناطة، واضطرت ظروف النزاع كلا الطرفين إلى الاستعانة بملوك وأمراء الممالك الإسبانية الشمالية لقاء مبالغ كبيرة من الأموال، ولقاء تنازلات إقليمية، ففي الوقت الذي حاول فيه عبد الله بن بلقين حاكم غرناطة التحالف مع ملك قشتالة ألفونسو السادس، نجد المعتمد يسلك المسلك نفسه ويرسل وزيره أبا بكر بن عمار إلى ألفونسو طالباً المساعدة مقابل مبلغ كبير من المال ويمنيه بغزو غرناطة واقتسامها بحيث تكون للمعتمد قصبة المدينة ولألفونسو القلعة الحمراء بما تحويه من نفائس وذخائر. وكانت نتيجة هذا الحلف تعرض مدينة غرناطة إلى هجمات مدمرة قام بها ألفونسو السادس، وجرأت قواته على اقتراف المزيد من أعمال التخريب


(٣٣) ينظر، عنان، دول الطوائف: ٤٨.
(٣٤) عن سيرته ينظر: ابن الآبار، الحلة السيراء: ٢/ ٥٤.
(٣٥) ابن عذاري: ٣/ ٢٥٩.

<<  <   >  >>