لِماذَا لَم يُجبِرُوهُم قسْراً وقَهراً علىْ الدُّخُولِ فِيْ الإسْلامِ؟ لقَد هَمَمتُ أنْ أقُولَ ذلِكَ وأنَا أنظُرُ إلىْ الْجزِيْرةِ فِيْ دَهشٍ وذُهُولٍ وعَجزٍ وهَمٍّ ثقِيْلٍ ورَهقٍ ولغُوبٍ، كُلُّ ذَرَّةٍ من ذَرَّاتِ غزَّة يلفُّها الْخوفُ والذُّعرُ والْهلعُ ويُسيطِرُ علَيْها الْموتُ بِمخالبهِ وأنيابهِ، لِماذَا أيُّها الأسْلافُ؟ لِماذَا؟ لِماذَا تركتُم هذهِ الوُحُوشَ الْحارِقة لأبنائِكُم مِنْ بعدِكُم؟
كَلاَّ الْحقُّ لا يُمكِنُ أنْ يضِيْعَ، لا يُمكِنُ أنْ يَنكسِرَ، نَعم يُمكِنُ أنْ يَتزحزَحَ يُمكِنُ أنْ يَتذعْذَعَ، ولكِنْ لا يُمكِنُ أنْ يَموت، أمَّا الباطِلُ لا يُمكِنُ أنْ ينتصِرَ، لا يُمكِنُ أنْ يعلُو، نعَم يُمكِنُ أنْ ينتفِخَ وينتفِشَ، ولكِنْ لا يُمكِنُ أنْ يبقَىْ، إنَّ ثَورةَ الْحقِّ تَخبُو لكِنَّها تشتعِلُ، وتتَراجَعُ لكنَّها تنتفِضُ فتتقدَّمُ، إنَّ علىْ الأمَّةِ الإسْلامِيَّة أنْ تكتُبَ وصِيَّتَها بِدماءِ الشُّهداءِ تكتُبها علىْ النَّحوِ التَّالِيْ:
(أيُّها الْجِيْلُ البَطلُ العظِيْمُ الذِيْ يأتِيْ مِنْ بعدِ جِيْلِنا هذَا، إنْ مَكَّنَ اللهُ لكَ فِيْ الأرْضِ وتَملَّكتَ القُوَّة فَلا ترقُبْ فِيْ كَافرٍ عَهداً ولا ذِمَّةً، واذكُر أنَّ آباءَكَ وأُمهاتِكَ قَد تَجرَّعُوا كُؤوسَاً آسِنةً مِن الذُّلِّ وَالْهَوانِ، فَأوَّلُ ما تفعلهُ أنْ مَزِّقْ الْمُعاهداتِ الْزَّائفة الكاذِبَة فإذَا فعلتَ ذلِكَ فأطِحْ بِجمِيْعِ الأنظِمةِ السِّياسيَّة مِنْ أقصَىْ العالَم إلىْ أقصاهُ!!
فإذَا فعلْتَ فَحرِّضْ علىْ القِتالِ وقاتِلْ بِعُنفٍ شدِيْدٍ، ولا تُبقِ علىْ الكافِريْنَ مِنهُم أحداً، أمَّا اليَهُودَ فَحرِّقْهُم بِالنَّارِ جَمِيْعهُم ولا تأخذْكَ بِهِم رأفةٌ، فإنْ لَم تفعَلْ شَيئاً مِنْ ذلكَ وتَسمَّعتَ إلىْ أناشِيْدِ الفُقهاءِ يَجُوزُ ولا يَجوزُ، فَقد خُنتَ الأمَانَة ولَم تثأرْ للإسْلامِ وأهلهِ واثَّاقلتْ إلىْ الأرْضِ وكُنتَ مغبُوناً مَخدُوعاً، أعِيذُكَ أنْ تتردَّىْ إلىْ هذهِ الوَهدةِ والسَّلاحُ أمسَىْ فِيْ يدِكَ، هذِهِ وصيَّةُ آبائِكَ والسَّلامُ).
حَتْماً ستعُودُ الأرْضُ يَا صاحِبَةَ القَلَمِ، وسينتصِرُ الْمُسلمُونَ وحِيْنها لنْ يبقُوا علىْ يَهُودَ ولَو كانُوا فِيْ كُهُوفٍ مُظلمةٍ أو في بُرُوجٍ مُشيَّدة سيتخطَّفَهُم الْموتُ وبَيْننا القُرونُ والأجيَالُ، والأيَّامُ دُولٌ.
/
/
وبَعد: هَذَا نَزْفٌ شِعرِيٌّ خَلاَّبٌ، يفِيْضُ عاطِفَةً صادِقَةً، ويَشعُّ أضْواءً مُتدفِّقةً، ويضخُّ مَشاعِرَ مُنسكِبَةً، لَولا بَعضُ الضَّعفِ الذِيْ اعتَرَىْ بَعْضَ أبيَاتَ القَرِيْض فَأبطَلَتْ قُوَّتَهُ وجَعلَتْ مِنهُ مَهزُوزاً مُفكَّكاً يُريدُ أنْ ينقَضَّ، ولَولا بَعضُ الْهَناتِ والشِّياتِ اللاتِيْ لَجَمَنَ تدفُّقَ الإِبْداعِ وانسِكابَ الْجَمالِ.
ثُمَّ إنَّنِيْ مَعَ إِكبَارِيْ وإجْلالِيْ للشَّاعِرِ وقَد أُوتِيَ حَظَّاً وافِراً ونصِيْباً مفرُوضَاً مِنْ عَزْمةِ العُرُوبَةِ وقُوَّةِ اللُّغةِ وشدَّةِ الإيْمانِ بالقضِيَّة وسَلامةِ الشَّاعريَّة إلاَّ أنَّنِيْ آخُذُ علَيْهِ بعضَ الْعُيُوبَ الفِكريَّة الثَّقافيَّة أكتفِيْ بِواحِدةٍ مِنهُنَّ تَارِكاً لغَيْرِيْ أنْ يتكلَّمُوا وهُو قَولهُ:
فَلسطِيْنٌ غدَتْ للْخَصْمِ حَقَّاً = شَهادَةُ شَعبِنا مَعْ حَاكِمِيْنَا
وَمَعَ ما فِيْ هذَا البَيْتِ مِنْ اهتِزَازٍ وضَعْفٍ مِن النَّاحيَةِ الفنِّيَّة، ففِيْهِ كبِيْرةٌ منَ الكَبائِرِ مِن النَّاحيةِ الفكريَّة، وإلاَّ فَإنَّ الأمَّةَ الإسْلاميَّة مِنْ أقصَاها إلىْ أقصَاهَا لا يُمكِنُ أنْ تَشهدَ علىْ زُورٍ وبُهتانٍ، وقَد اجتَمَعتْ علىْ عَدَاوةِ اليَهُودِ الْمُجرمِيْنَ اجتِماعاً واضِحاً صرِيْحاً وقَد آمنَتْ بالْحقِّ العربِيِّ الإسلامِيِّ إِيْمانَاً لا يفلُّهُ شَيءٌ، وقُضِيَ الأمرُ واستبَانَ الْحقُّ.
وعِندَما نتحَدَّثُ عنِ الأمَّةِ الإسلاميَّة فنَحنُ نتحدَّثُ عنْ الشُّعُوبِ عنِ النَّاسِ عنِ الْجَماهِيْرِ، لا عنِ الْحُكُوماتِ وأشيَاعِها مِنَ العُملاءِ والأدعِيَاءِ والْمُغرضِيْنَ والْمُرجفِيْنَ والْمُعوِّقِيْنَ والْمُنافقِيْنَ، فهؤلاءِ ليْسُوا مِنَّا ولسْنا مِنهُم لَهُم دِيْنُهُم ولَنا دِيْنُنا، ألا فَتنبَّهُوا لِهذَا فَمِنَ الْخَطَلِ أنْ نقُولُ بأنَّ العَربَ لا يَتحرَّكُون لِنُصرةِ فلسطِيْنَ.
هذَا خَطَلٌ ومَيْنٌ وإلاَّ فإنَّ العربَ لو أُتِيْحَ لَهُم وأُخلِيَ بينهُم وبَيْن فلسطِيْن لَهبُّوا إلَيْها ولانتصَرُوا مِنْ بعدِ ظُلمِهِم، ولكِنْ إنَّما هِيَ الْحُكُوماتُ الْمُنبطِحة الْمُخزيَة الواهِنةُ العابثَةُ، فعلامَ تَجلِدُون أنفُسَكُم أيُّها الأشرَافُ مِنَ الأمَّةِ؟
فلنُطلِقْها صَرِيْحةً سماويَّةً: الْحُكُوماتُ والْمُنافقُون مِنْ ورائِها هُم الذِيْنَ يختلقُونَ العوائِقَ وينصِبُونَ الْحبائِلَ لينبَطِحُوا للصَّهاينةِ والأعدَاءِ ويَفتضُّونَ قُوَّة الأمَّة ويَسومُونَها العَذَابَ الشَّدِيْد.
إنَّما هِيَ مُذاكرةٌ بَيْنِيْ وبيَنكُم وإلاَّ فإنَّ قلمِيْ واهِنٌ ضعِيْفٌ لا يرقَىْ إلىْ مَدارجِكُم العالِيَة وللشَّاعرِ مَكَانةٌ سامِيَةٌ وقَد أحسَنَ وأجَادَ أحسَن اللهُ إلَيْهِ وأثابَهُ وآمنَهُ وأكرمَهُ ونعَّمَهُ، والشُّكرُ كُلَّ الشُّكرِ لكِ يا صاحِبَةَ القَلَمِ يا ابنةَ غزَّة الْمُجاهِدة الصَّابِرة حفِظكمُ اللهُ ورعاكُم ونصَركُم وثَأرَ لَكُم.
¥