وفي المقطع الثالث والعشرين يصف بيت الصيد والذي تسميه العرب القترة
وأبدع رؤبة في وصفه فشبهه بالقبر من ضيقه وتراكم الحجارة على ظاهره
ووصف مقعد الصياد فيه
وَقَدْ بَنَى بَيْتاً خَفِيَّ المُنْزَبَقْ
مُقْتَدِرَ النَقْبِ خَفِيَّ المُمْتَرَقْ
رَمْساً مِنَ النَامُوسِ مَسْدُودَ النَفَقْ
مَضْطَمِراً كَالقَبْرِ بِالضِيْق الأَزَق
أَسَّسَهُ بَيْنَ القَرِيبِ وَالمَعَقْ
أَجْوَفَ عَنْ مَقْعَدِهِ وَالمُرْتَفَقْ
وفي المقطع الرابع والعشرين وصف شعور الرامي وهو بجوف هذه القترة
وحرصه الشديد على اختفائه عن حدس القطعان حتى لو أنه مضغ شريا وهو نبت شديد المرارة لما بصقه من شدة حفاظه على نفسه!
وهو وصف بديع فريد طريف!
فَبَاتَ وَالنَفْسُ مِنَ الحِرصِ الفَشَق
فِي الزَرْبِ لَوْ يَمْضَعُ شَرياً ما بَصَقْ
وهنا حركة الرامي وهو يتهيؤ للقطيع وفي يده النبال
لَمَّا تَسَوَّى فِي ضَئِيلِ المُنْدَمَقْ
وَفِي جَفِيرِ النَبْلِ حَشرَاتُ الرَشَقْ
وها هو القطيع في المقطع السادس والعشرين وهو يقترب من الماء والذي مكن الرامي قريبا منه
ويصف الشاعر شدة حذر القطيع وتوجسه حتى أنها تتوجس من صوت نقيق الضفادع المتراقصة على سطح الجدول
وقمن يتحريك أذنابهن من الخوف وبهن من العطش ما بهن
سَاوَى بِأَيْديهِنَّ مِنْ قَصْدِ اللَمَقْ
مَشْرَعَةٌ ثَلْماءُ مِنْ سَيْلِ الشَدَقْ
فَجِئْنَ وَاللَيْلُ خَفيُّ المُنْسَرَقْ
إِذَا دَنَا مِنْهُنَّ أَنْقاضُ النُقَقْ
في الماءِ وَالساحِلُ خَضْخاضُ البَثَقْ
بَصْبَصْنَ وَاقْشَعْرَرْنَ مِنْ خَوْفِ الزَهَقْ
يَمْصَعْنَ بِالأَذْنابِ مِنْ لَوْحٍ وَبَق
وهنا وصف شروع القطيع في الشرب
حتى بل الماء جنوبها التي التصقت رئاتها بها من شدة حرارة العطش
وامتلأت بطونها امتلاء الحوامل منها بأجنتها
وقد وصف وسوسة دعاء الرامي أن يوفقه الله في صيده
حَتَّى إِذَا ما كُنَّ في الحَوْمِ المَهَقْ
وَبَلَّ بَرْد الماء أَعْضاد اللَزَقْ
وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الفَلَقْ
سِرّاً وَقَدْ أَوَّنَّ تَأْوِينَ العُقُقْ
وهنا بدأت الملحمة:)
حيث ارتاز الرامي أي انتقى حماراً مكتنزاً من القطيع ورماه رمية تخترق الدرق وهو ترس من الجلد يستخدم في الحروب
فَارْتَازَ عيْرَ سَنْدَرِيٍّ مُخْتَلَقْ
لَوْ صَفّ أَدْراقاً مَضَى مِن الدَرَقْ
يَشْقَى بِهِ صَفْحُ الفَرِيصِ وَالأَفَقْ
وَمَتْنُ مَلْساءِ الوَتِينِ في الطَبَقْ
وفي هذا المقطع يصف فوضى القطيع وسرعة بديهة الحمار الوحشي الفحل
وكيف تمكن من إنقاذ القطيع وقد خسر أربعا من الحمر الوحشية
رميت بأربع نبال نزعت أرماقها من قوتها
والمنصفق والمنعفق أماكن اجتماع الحمر واعتراكها
فَمَا اشْتَلاهَا صَفْقُهُ لِلْمُنْصَفَقْ
حَتَّى تَرَدَّى أَرْبَعٌ فِي المُنْعَفَقْ
بِأَرْبَعِ يَنْزَعْنَ أَنْفَاسَ الرَمَقْ
تَرَى بِهَا مِنْ كُلِّ مِرْشاشِ الورق
كَثَمَرِ الحُمَّاضِ مِنْ هَفْتِ العَلَقْ
وفي هذا المقطع يصف فرار القطيع من نبال الرامي القاتلة
كأنها قطع برق متتابع
وشدة ركضها حتى شبهها بالسلب الذي ينهبه قطاع الطرق وسارقوا الإبل
وَانْصَاعَ بَاقِيهِنَّ كَالْبَرْقِ الشِقَقْ
تَرْمِي بِأَيْدِيها ثَنَايَا المُنْفَرَقْ
كَأَنَّها وَهْي تَهاوَى بِالرَقَقْ
مِنْ ذَرْوِهَا شِبْراقُ شَدٍّ ذِي عَمَقْ
وفي المقطع الأخير يصف الراجز تمكن القطيع من الفرار
وثمت نهاية تلك الملحمة المثيرة:)
حِين احْتَدَاها رُفْقَةٌ مِنَ الرُفَقْ
أَوْ خَارِبٌ وَهْيَ تَغَالى بِالحِزَقْ
فَأَصْبَحَتْ بِالصُلْبِ مِنْ طُولِ الوَسَقْ
إِذَا تَأَنَّى حِلْمَهُ بَعْدَ الغَلَقْ
كاذَبَ لَوْمَ النَفْسِ أَوْ عنْهَا صَدَقْ
هذه رؤوس أقلام المقاطع كلها باختصار شديد
و يظهر في هذه الأرجوزة إسهاب في المفردات
وبراعة في إيقاع المعنى على اللفظ
ولا يخفى ما بها من حركة تمثلها تتدفق حركات الإعراب لترتطم بسكون القافية لتشكل في النفس إيقاعا حركيا بعيد المدى والمدلول
وكأن الراجز قالها وهو على ظهر راحلته يتأمل أمام عينيه
قطعان الحمر الوحشية في الفلوات الغبراء
ولهذا لا تجد لها نظيراً في الروعة والجمال
إلا أرجوزة أبي النجم العجلي اللامية
هذا،
والسلام عليكم أجمعين
ـ[حرف]ــــــــ[09 - 03 - 2009, 05:38 م]ـ
بارك الله فيك ونفع بك أخي (رؤبة)
ـ[رؤبة بن العجاج]ــــــــ[13 - 03 - 2009, 06:32 ص]ـ
وبارك عليك أخي حرف
شكر الله لك على الحضور
والسلام عليكم أجمعين
ـ[بل الصدى]ــــــــ[17 - 10 - 2009, 04:04 م]ـ
موضوع رائع قمين بالرفع!
رفع للفائدة و المتعة