فقال: نَبَّهتِ منِّي غافلاً فدَعي=
هذي الدَّراهِمَ إذْ لا حَقَّ لي فيها
وَيلي على عُمَرٍ يَرضى بمُوفِيَةٍ=
على الكفافِ ويَنهَى مُستَزيديها
ما زادَ عن قُوتنا فالمُسلمونَ به=
أوْلى فقُومي لبيتِ المالِ رُدِّيها
كذاكَ أخلاقُه كانت وما عُهِدَتْ=
بعد النُّبُوّةِ أخلاقٌ تُحاكيها
في الجاهليّةِ والإِسلامِ هَيبَتُه=
تَثْني الخُطوبَ فلا تَعدُو عَواديها
في طَيِّ شِدَّته أسرارٌ مَرحَمَةٍ=
للعالَمينَ ولكن ليس يُفْشيها
وبين جَنَبيه في أوفى صَرامتِه=
فُؤادُ والدةٍ تَرعى ذَراريها
أغنَتْ عن الصَّارِمِ المصقولِ دِرّتُه=
فكم أخافَت غَويِّ النَّفسِ عاتيها
كانت له كعصا مُوسى لصاحِبها=
لا يَنزِلُ البُطلُ مُجتازاً بِوادِيها
أخافَ حتى الذَّراري في ملاعِبِها=
وراعَ حتى الغواني في مَلاهيها
أرَيتَ تلكَ التي لله قد نَذَرَتْ=
أنشودَةً لرسولِ الله تُهديها
قالت: نَذَرْتُ لئن عادَ النَّبيُ لنا=
من غزوةٍ لَعَلى دُفِّي أُغَنِّيها
ويَمَّمَتْ حَضَرَةَ الهادي وقد مَلأَتْ=
أنوارُ طَلعتِه أرجاءَ ناديها
واستأذَنَت ومَشَت بالدُّفِّ واندَفَعَت=
تُشجي بألحانِها ما شاءَ مُشجيها
والمصطفى وأبو بَكرٍ بجانِبه=
لا يُنكِرانِ عليها من أغانيها
حتى إذا لاحَ من بُعدٍ لها عُمَرٌ=
خارَت قُواها وكادَ الخَوفُ يُرديها
وخَبَأَتْ دُفَّها في ثَوبِها فَرَقاً=
منه ووَدَّتْ لو أنّ الأرضَ تَطويها
قد كانَ حِلمُ رسولِ اللهِ يُؤْنِسُها=
فجاءَ بَطشُ أبي حَفصٍ يُخَشِّيها
فقالَ مَهِبطُ وَحيِ اللهِ مُبتَسِماً=
وفي ابتِسامَتِهِ مَعنىً يُواسيها
قد فَرَّ شيطانُها، لمّا رأى عُمَراً=
إنّ الشياطينَ تَخشى بأسَ مُخزيها
وفِتيَةٍ وَلِعُوا بالرَّاحِ فانَتَبَذُوا=
الهم مَكاناً وجَدُّوا في تَعاطِيها
ظَهَرتَ حائِطَهُم لمّا عَلِمتَ بهم=
والليلُ مُعتَكِرُ الأرجاءِ ساجيها
حتى تَبَيَّنْتَهُم والخَمرُ قد أخَذَت=
تَعلو ذُؤابَةَ ساقيها وحاسيها
سَفَّهتَ آراءَهُم فيها فما لَبِثوا=
أن أوسَعُوكَ على ماجِئتَ تَسفيها
ورُمتَ تَفقيهَهُم في دينِيهِم فإذا=
بالشَّربِ قد بَرَعُوا الفاروقَ تَفقيها
قالوا: مَكانَكَ قد جِئنا بواحِدَةٍ=
وجِئتَنا بثَلاثٍ لا تُباليها
فأْتِ البيوتَ من الأبوابِ يا عُمَرٌ=
فقد يُزَنُّ من الحِيطانِ آتيها
واستأْذِن الناسَ أنْ تَغشى بُيوتَهُمُ=
ولا تُلِمّ بدارٍ أو تَحَيِّيها
ولا تَجَسَّس فهذي الآيُ قد نَزَلَتْ=
بالنَّهْي عنه فلم تَذكر نَواهيها
فعُدتَ عنهم وقد أكبَرتَ حُجَّتَهُم=
لمّا رَأيتَ كِتابَ اللهِ يُمليها
وما أنِفتَ وإنْ كانوا على حَرَجٍ=
من أن يَحُجَّكَ بالآياتِ عاصيها
وسَرحَةٍ في سماءِ السَّرحِ قد رَفَعَت=
ببيعَةِ المُصطَفى من رأسِها تيها
أزَلتَها حين غَالوْا في الطَّوافِ بها=
وكان تَطوافُهُم للدِّينِ تَشويها
هذي مناقِبُه في عهدِ دولتِهِ=
للشّاهِدِينَ وللأعقابِ أحكيها
في كلِّ واحدةٍ منهنّ نابِلَةٌ=
من الطبائعِ تَغذو نفسَ واعيها
لَعَلَّ في أمّةِ الإسلامِ نابتَةً=
تَجلُو لحاضِرِها مِرآةَ ماضيها
حتى تَرَى بعضَ ما شادَت أوائِلُها=
من الصُّروحِ وما عاناهُ بانيها
وحَسبُها أن ترى ماكانَ من عُمَرٍ=
حتى يُنَبِّهَ منها عينَ غافيها
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[22 - 05 - 2009, 10:01 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .............. وبعد
سلمت يمينك على هذا النقل الجميل ... أخي أبا يزن
حقاً إنها أروع قصيدة لابن النيل " حافظ إبراهيم "
الغريب في الأمر أن القصيدة لا يوجد منها إلا أربعة أبيات في الموسوعة الشعرية .. وموجودة كاملة في بوابة الشعراء ..
تحياتي ..
بارك الله فيك وجزيت خيراً.
ـ[أم سارة_2]ــــــــ[23 - 05 - 2009, 12:14 ص]ـ
لا إله إلّا الله
لا إله إلّا الله
ـ[الباحثة عن الحقيقة]ــــــــ[23 - 05 - 2009, 12:31 ص]ـ
بارك الله فيك أستاذ أبا يزن
قصيدة جميلة وهنا كذلك أشكر الأخ عامر مشيش الذي تناولها في غرفة هتاف اليوم
بارك الله فيكم وسدد خطاكم لكل خير
ـ[شثاث]ــــــــ[23 - 05 - 2009, 09:49 ص]ـ
قصيدة جميلة استمتعت بقراءتها ..
شكراً لك ..
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[23 - 05 - 2009, 02:04 م]ـ
بارك الله فيكم
اليوم سنتابع التعليق عليها إن شاء الله تعالى في هتاف الساعة الثامنة مساء.
ـ[بسمة الكويت]ــــــــ[23 - 05 - 2009, 03:19 م]ـ
جميلة ورائعة
واخيار موفق
خطها حافظ إبراهيم في خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
من أجمل القصائد التي دائما ما أعود لقراءتها ..
فمَن يُباري أبا حَفصٍ وسيرَتَه
أو مَن يُحاولُ للفاروقَ تَشْبيها
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[23 - 05 - 2009, 04:08 م]ـ
بوركت على السيرة العطرة أخي أبا يزن، ولم معطلة خاصية التعديل عندك؟
ـ[السراج]ــــــــ[23 - 05 - 2009, 09:48 م]ـ
هذه القصيدة أعجوبة العصر الحديث في الشعر ..
فرغم عدد أبياتها الهائل إلا أنها استمرت بالقوة نفسها، جعلت من حافظ ثاني الشعر في عصره بعد علم العصر، شوقي ..
شكرا أبا يزن ..