ونظراً لثقافته واختلافها فقد تقلد بفضلها عدةّ مناصب نذكر منها: درّس في عدةّ مدارس وتولىّ إدارتها مثل:جمعية الشبيبة الإسلامية في مدينة الجزائر سنوات"1928 - 1940" وكان مديراً لها عام1931م.
وكذا مدرسة التربية والتعليم في باتنة سنوات"1940 - 1947" ومدرسة العرفان بعين مليلة سنوات"1947 - 1954"، تولى منصب إمام بمسجد من المساجد الحرةّ بعين مليلة.
-احتل منزلة عضو في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها (3) عام 1931م، وكان نائب رئيس لجنة الآداب التابعة للجمعية (4).
شارك في النهضة الصحافية ببسكرة، حيث نشر في معظم الصحف والجرائد شعره.
احتل منصب عضو في الهيئة المؤسسة والمحررّة لجريدة صدى الصحراء، كان العضو الثاني الى جانب العقبي في إصدار وتحرير جريدة الإصلاح، كما كان عضواً في تأسيس مطبعة الإصلاح؛ (5).
كان عضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق (6).
كما اعتبر كاتب مسرحيّ، مثلت مسرحياته في الحفلات الطلابية (7).
شخصيته ومكانته:
حياته الدينية التي شبّ عليها جعلته منذ صباه راغباً عن حياة الدنيا موليا وجهه عن زخرفها، قانعاً بالقليل منها، مماّ طبع بطوابع الجدّ، فنشأ بذلك عزوفاً عن الحياة المليئة بالبذخ والملذات فهو لم يعرف ماعرفه بعض الشعراء في القديم وفي الحديث، من مظاهر اللهو والترف في مراحل حياته، كما لم يعرف من ناحية أخرى، ذلك الترددّ ما بين اللهو والتدين أو ذلك الازدواج في الشخصية، الذي وقع فيه بعض الشعراء المحدثين أمثال "أحمد شوقي"بل شبّ على الدين والتقوى وشاب عليها، فتجلى ذلك في طهارة قلبه وعزةّ نفسه والميل الى البساطة والتواضع والنّفور من الادعاء والتعقيد والتكبر، وهاهو ذا يقول في التواضع:
إنّ التواضع من سمات البرّ من ** يَعْتَدْه فهو البَرُّ في الأقوام
وقد شبه الأستاذ "محمد بن سمينة" شخصية الشاعر بشخصية "حسان ابن ثابت الأنصاري" حيث قال: وتكاد شخصيته في هذه الجوانب تقترب من شخصية الشاعر حسان ابن ثابت الأنصاري، الذي كان يغزو مع المجاهدين في صدر الاسلام. إلاّ أن عدته وعتاده في ذلك الغزو إنماّ هو لسانه وشعره وكذلك شاعرنا كان شاعراً في الحرب
1 - السابق-ص11،12،13 (بتصرف).
2 - نفسه-ص24 (بتصرف).
3 - في الأدب الجزائري الحديث،د /عمر بن قينة-ص66 (بتصرف).
4 - السابق-ص57 (بتصرف).
5 - نفسه-ص66 (بتصرف).
6 - محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة-ص21.
7 - نفسه –ص30 (بتصرف).
وشاعراً في السلم ولكنه لايملك من العدةّ في كلتا الحالتين إلاّ الشعر والأدب:
أسالم الناس في عيشتي فإن عمدوا ** الى خصامي فسيفي:الشعر والأدب
وإن دعاني قومي أن أنا صرهم ** فعدتي في انتصاري: الشعر والأدب
ويقول عنه الدكتور عمر بن قينة:"هو شخصية متميزة عكسها شعره الذي رافق مرحلة النهوض السياسي والفكري والاصلاحي، فعبرّ عن ذلك بصدق وإخلاص ... فكان بذلك نغماً جوهرياً في صوت الجزائر، بوجهها العربي الاسلامي، وملامحها الانسانية، منساقاً في كلّ الأحوال لقيم الخير والحرية والعدل والمحبة والرحمة والتكافل والبذل ... مماّ يعكس حقاً شخصية شاعر فنان يهزه الحدث الكبير، كما تطربه اللفتة الصغيرة والصورة الجميلة، مثل الفكرة العابرة" (1).
محمد العيد رجل التصوف والاصلاح:
كان "محمد العيد" واقعاً تحت مؤثرات البيئة الاجتماعية، التي كانت في معظمها بيئة دينية محافظة، فجمع في تكوينه الفكري ما بين مبادئ الاصلاح التي كانت بذورها الأولى قد غرست في نفسه قبل سفره الى تونس، وبين النزعة الصوفية التي انتقلت اليه وراثة واكتساباً، من أسرته بوجهٍ عام ومن أبيه بوجه خاص والذي كان صوفياً على الطريقة التّجانية.
ويضاف الى تأثير الأسرة والأدب، تأثير آخر وهو تأثير الأساتذة والمشايخ فمعظمهم كانوا رجال إصلاح وتصوف هذا ما ساعد على تعميق الصلّة (2) بين الشاعر والاصلاح من جهة، وبينه وبين التصوف من جهة أخرى، فمشايخه من آل المكي بن عزوز بيعين البيضاء، وكانوا شيوخاً للطريقة الرحمانية ودعاة اصلاحٍ في آن واحد، لقد تمسك الشاعر بهذه الطريقة الصحيحة، كما كان يرى أنه لايخرج فيها الى ما يشين الى العقيدة، أو يخدش بها الدّين، بل يرى أن هذه الطريقة هي منهج للعبادة والذكر، كما أنها لاتتناقض مع فكرة الاصلاح، وذلك لأنهما
¥