تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شعرت بالملل من تقصي كلام الجان، وحدثتني نفسي أن أنفرد بالقيل والقال، ولم لا! فقد خضت هذه التجربة من قبل؛ فانفردت بتفسير البيت الأول كاملا، بل وأتيت فيه بالعجب العجاب، ولا غبار على قليل من الغرور، فعزمت على ترك الجان وحديثهم، ومرت الليالي تلو الليالي وأنا على عهدي، وفي إحدى الليالي جاءني صخر بن سنان ليطمئن علي وليعرف سبب انقطاعي:

-فقال: لم انقطعت عن مجالستنا يا جلمود؟

-قلت: رأيت من نفسي خيرا، فاستأثرت بالقول دونكم.

-قال: وبم كان ذلك؟

-قلت: ألم ترى قولي في بيان البيت الأول، لقد جعلته نهارا بيانا!

-قال: رأيته، وقد تشعب بك الطريق، فلم تقدر على المواصلة؛ ففررت هائما على وجهك، تدعي هدى وأنت الضال المدبر.

- فاستشاط غضبي وكدت أقرأ عليه المعوذات فأشويه حيا، ثم رجعت وقلت له: وكيف ذا يا صاحب الجان!

-قال: أليس هذا قولك:

"وقفنا في البيت الأول عند تردد الأعشى بين الرأيين: وداع هريرة أو الهروب من وداعها، ورأينا أن الشطر الأول من البيت الأول جاء على لسان الشخص الأول (العواطف الإنسانية) القائل بالوداع، وأن الشطر الثاني جاء على لسان الشخص الثاني (العقل المفكر). القائل بالهروب من لحظة الوداع. ومن ثم كان السؤال الملح: أي الرأيين اختار الأعشى؟ ... لقد هرب من الاختيار المؤلم، ترك تلك اللحظة المحزنة المهلكة، إن الحاضر المؤلم ليدفع النفس إلى الهروب إلى الزمن الجميل، زمن الحب والوصال، إنه الماضي، هرب الأعشى إلى ماضيه، أيام كان يراها صباح مساء، فأخذ في وصفها من الذاكرة، وصفا لايحسنه إلا من فرغ نفسه لمراقبتها ليل نهار."

-قلت: بلى هو قولي، وبه أعتز وأفخر.

-فقال: الأعشى لم يهرب من الموقف، وإنما أنت الذي هربت فاخترعت تصريفا يواري هروبك.

-قلت: كيف!

-قال: لقد ذهب الأعشى لوداعها.

-فقلت ساخرا: وما أدراك! هل رأيته أيها الجني!

-قال: لو تأملت شطر البيت الأول لعرفت أن الأمر يغلب الاستفهام.

-قلت: هذه لا تكفي، هل عندك من آية أخرى؟

-قال: قال الأعشى:

هُرَيرَةَ وَدَّعها وَإِن لامَ لائِمُ ** غَداةَ غَدٍ أَم أَنتَ لِلبَينِ واجِمُ

-قلت: لا تكفي.

-قال: خذ هذه وأنت وشأنك:

كانَت وَصاةٌ وَحاجاتٌ لَنا كَفَفُ ** لَو أَنَّ صَحبَكَ إِذ نادَيتَهُم وَقَفوا

عَلى هُرَيرَةَ إِذ قامَت تُوَدِّعُنا ** وَقَد أَتى مِن إِطارٍ دونَها شَرَفُ

أَحبِب بِها خُلَّةً لَو أَنَّها وَقَفَت ** وَقَد تُزيلُ الحَبيبَ النِيَّةُ القَذَفُ

قلت: الآن يا صخر عرفت مقدار نفسي، وأنبت عما انتويت، فما أعجب حديث الجان!

ـ[السراج]ــــــــ[07 - 08 - 2010, 07:16 ص]ـ

وما أعجبْ قولك يا جلمود!

رائع هذا الحديث ..

أسجّلُ حضوري هُنا

ـ[همبريالي]ــــــــ[07 - 08 - 2010, 01:51 م]ـ

شعرت بالملل من تقصي كلام الجان، وحدثتني نفسي أن أنفرد بالقيل والقال، ولم لا! فقد خضت هذه التجربة من قبل؛ فانفردت بتفسير البيت الأول كاملا، بل وأتيت فيه بالعجب العجاب، ولا غبار على قليل من الغرور، فعزمت على ترك الجان وحديثهم، ومرت الليالي تلو الليالي وأنا على عهدي، وفي إحدى الليالي جاءني صخر بن سنان ليطمئن علي وليعرف سبب انقطاعي:

-فقال: لم انقطعت عن مجالستنا يا جلمود؟

-قلت: رأيت من نفسي خيرا، فاستأثرت بالقول دونكم.

-قال: وبم كان ذلك؟

-قلت: ألم ترى قولي في بيان البيت الأول، لقد جعلته نهارا بيانا!

-قال: رأيته، وقد تشعب بك الطريق، فلم تقدر على المواصلة؛ ففررت هائما على وجهك، تدعي هدى وأنت الضال المدبر.

- فاستشاط غضبي وكدت أقرأ عليه المعوذات فأشويه حيا، ثم رجعت وقلت له: وكيف ذا يا صاحب الجان!

-قال: أليس هذا قولك:

-قلت: بلى هو قولي، وبه أعتز وأفخر.

-فقال: الأعشى لم يهرب من الموقف، وإنما أنت الذي هربت فاخترعت تصريفا يواري هروبك.

-قلت: كيف!

-قال: لقد ذهب الأعشى لوداعها.

-فقلت ساخرا: وما أدراك! هل رأيته أيها الجني!

-قال: لو تأملت شطر البيت الأول لعرفت أن الأمر يغلب الاستفهام.

-قلت: هذه لا تكفي، هل عندك من آية أخرى؟

-قال: قال الأعشى:

هُرَيرَةَ وَدَّعها وَإِن لامَ لائِمُ ** غَداةَ غَدٍ أَم أَنتَ لِلبَينِ واجِمُ

-قلت: لا تكفي.

-قال: خذ هذه وأنت وشأنك:

كانَت وَصاةٌ وَحاجاتٌ لَنا كَفَفُ ** لَو أَنَّ صَحبَكَ إِذ نادَيتَهُم وَقَفوا

عَلى هُرَيرَةَ إِذ قامَت تُوَدِّعُنا ** وَقَد أَتى مِن إِطارٍ دونَها شَرَفُ

أَحبِب بِها خُلَّةً لَو أَنَّها وَقَفَت ** وَقَد تُزيلُ الحَبيبَ النِيَّةُ القَذَفُ

قلت: الآن يا صخر عرفت مقدار نفسي، وأنبت عما انتويت، فما أعجب حديث الجان!

سل صخر ابن سنان عن هذا الوداع عله كان في حادثة أخرى

أي أنه ربما لم يودعها في المرة الأولى ثم حدث أن تواصلا أوالتقيا ثم حصل البين والوداع. فالأبيات التي استدل بها اختلفت أبحرها وقوافيها وربما مناسباتها

- فاستشاط غضبي وكدت أقرأ عليه المعوذات فأشويه حيا،

:):):):):):):):):)

اكظم غيظك حتى تنهي ما بدأت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير