قد قُطِّعتْ لمّا دوى في الكونِ إعلانُ السُّقوطْ
لا نقضَ لا استئنافَ
ها قدْ أسدلوا في "مسرحِ الأحداثِ" أستارَ القُنُوطْ!
...
بعدَ انتباهي، عُدْتُ وحدي أرتدي "ثوبَ الحِدادْ"
ألتفُ بالأحزانِ، أخفي آهةً حرّى، ويطويني السّوادْ
ضاعتْ ملامحُ خطوتي من تيهِها في كلِّ وادْ
أخفيتُ دمعي في أخاديدِ الفؤادْ
وكظمتُ غيظي أرتجي لُطْفَ الجوادْ
فالعدلُ في ميزانِ ربي فوقَ طُغيانِ العِبادْ
وهُناك محكمةٌ سيأتي حُكْمُها بالحقِّ من فوقِ الغَمامْ
ستدكُّ حُصْنَ الجورِ دكًّا فوقَ هاماتِ اللئامْ
...
ضمّدتُ جُرحي قَبْلَ أنْ يأتي عَلَيّ ..
وشربتُ كأسَ مرارتي بـ"شجاعةٍ" ظلّتْ لديّ ..
أغلقتُ مِحرابي عَلَيّ
أرسلتُ خوفي في يديّ
أطلقتُ دمعي أستجيرُ اللهَ؛ أرجو رحمةً تُهدى إليّ ..
...
أعطيتُ للنفسِ الأمانَ فأظهرتْ ضَعْفَ الكسيرْ
وتوسّلتْ للهِ ترجو "العَدْل" للعبدِ الفقيرْ
وجثتْ لِتُعلِنَ في هزيعِ الليلِ عن ذُلِّ الأسيرْ
...
سطّرتُ شكوايَ الطّويلةَ بالدُّموع
ضمّنْتُها أسرارَ أحداثٍ بلا إثبات .. إلا شاهدٌ خلفَ الضلوعْ
ومِدادُها من ظُلمةِ الآلامِ، والآمالُ في قلبي شُموعْ
أودعتُ فيها كلَّ ما عندي منَ الذُّلِّ الموشّى بالخشوعْ
أرسلتُها في ظُلمةِ الليلِ البهيْمْ
من أعمقِ الأعماقِ في قلبي السّقيْمْ
من غيهبِ الأحزانِ، من قهري القديْمْ ..
.
.
.
لمسَ الهُدى قلبي، فأدمنتُ السُّجود
ووثقتُ بالرحمنِ أنتظرُ الوعود
وعلى ضفافِ الليلِ جدّدْتُ العهود
...
نَسِيَ الجميعُ حكايتي .. ومضتْ بها ريحُ السِّنيْنْ
وأنا على عهدي أُلِحُّ مع السّهارى الخاشعيْنْ
وأظلُّ ألْهَجُ بالدّعاءِ يحفُّني نورُ اليقيْنْ
واللهُ جبّارٌ متيْنْ
ها قد أتى النّصْرُ المُبيْنْ
في غفلةٍ ..
دارتْ دوائرُها لتهوي بالعُتاةِ الغاصبيْنْ
وانهارَ صرحُ الظُّلْمِ فوقَ الظّالميْنْ
...
زلّتْ بهم أقدامُهم .. فتجرّعوا كأسَ الهوانْ
وهوى على هاماتِهم حُصْنُ الأمانْ
وتساقطوا شيئًا فشيئًا خلفَ أسوارِ الزّمانْ
...
ورأيتُ من فضلِ الإلهْ
حُكمَ العدالةِ في العُصاةْ
ورأيتُ كيف تمرّغتْ في الخزيِ أعناقُ العُتاة
هذا انتقامُ اللهِ لا يُدرى مداهْ
ميزانُهُ حقٌّ سيسحقُ كلَّ جبّارٍ عصاه
سيُذيقُهم خِزيَ الحياةِ وينتهي بهمُ المطافُ هناك
في مثوى الجُناةْ
...
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[21 - 10 - 2010, 02:55 م]ـ
النّص الثّاني:
(وماذا بَعْدُ)؟
.
يا عُمْرُ .. كيفَ هربْتَ منِّي؟
دون أن أدري
وواصلْتَ الهُروبْ
كيفَ انتهيْتُ إلى هُنا؟
ووجدتُ نفسي عندَ ناصيةِ الغُروبْ!
أنا لا أزالُ أشمُّ أنفاسَ الطُّفولةِ
في زوايا القلبِ تعبقُ بالهِباتْ
زهرُ الصِّبا الفوّاحُ
لم يذبلْ بأرضِ الذِّكريات
ثوبُ الشّبابِ الغضُّ
لم أخلعْهُ بعدُ، و"أمنياتي واعِداتْ"!
..
يا عُمْرُ مهلا!
لي غدٌ أرجوهُ والدُّنيا عَرُوْسْ
والقلبُ يخطِبُ ودَّها ..
لا ينتهي رَغْمَ الدُّرُوْسْ!
رَغْمَ انفلاتِكَ من يَدَيَّ فلم تزلْ
للحُلْمِ في نفسي طُقوْسْ!
يا عُمْرُ .. قد نبّهتني، لكنّ قلبي في غِيابْ!
كم قِصّةٍ أشهدتَني أبطالَها تحتَ التُّرابْ!
أضفتْ عليهِم ريشةُ النِّسيانِ ألوانَ السّرابْ!
ومضتْ سنيني كالدّوارْ ..
مدٌّ، وجَزْرٌ، وانتظارْ ...
لم أنتبِهْ أبدًا لأجراسِ الكهولةِ تقرعُ العُمْرَ الغريْبْ
لم أنتبِهْ أني شططتُ وأوغلتْ فيّ الدُّروبْ ..
لم أنتبِهْ
أنّ المحطّاتِ انتهتْ
والعُمْرُ يركُضُ للمغيْبْ
.
ويلي من السّنواتِ
تمضي كالبروق!
مُتشابهاتٍ
يستبِقْنَ غروبَهُنّ مع الشُّروق!
تجري بِهِنّ عواصفُ الأحداثِ
يطويْنَ الشّبابَ الغضَّ والعُمْرَ المَشُوقْ!
.
.
أبصرتُ في وجهِ الحياةِ النّاعمِ العذبِ الجميْلْ
بعضَ الأخاديدِ العميقةِ
خطّها الزّمَنُ الطّويلْ
لِتقولَ لي هيّا ...
فليسَ أمامَنا إلا القليلْ!
خُذْ زادَ رحلتِكَ الطّويلةِ
وانتظرْ وقْتَ الرّحِيْلْ
فتجاهلَتْ نفسي النِّداءَ
وأهملتْ صوتَ النّذيرْ
وتغافلتْ عنْ كلِّ لافتةٍ تُذكِّرُ بالمصيرْ!
فإذا بضوءٍ قادمٍ
من خلفِ طيّاتِ الزّمانْ
يغزو الذّوائبَ في ثباتٍ
مثلَ جيشٍ من دُخانْ
يجتاحُ حصن تغافُلي
ويصيحُ بي: آنَ الأوانْ
فجرُ النّهايةِ قدْ أطلَّ
وليسَ مثلي تُرجمانْ
يا نفسُ .. يكفي
ما مضى هدرًا وأنتِ تُراوغين!
فالموتُ أضحى
قابَ قوسٍ ماثلا لو تعلمين!
عودي لدربِ التّائبينَ
وحاذري أن تُخْطِئِيْهْ!
صوتُ الحقيقةِ واضحٌ، إيّاكِ أن تتجاهليْهْ!
عُمرٌ تسرّبَ من يديْكِ؛ فعجّلي واستدركيهْ
وتصيّدي الباقي من اللحظاتِ
في السعيِ الدّؤوبْ
فـ "الوقتُ" أنفاسُ الحياةِ
وإن تولّتْ لن تؤوبْ ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ[أحاول أن]ــــــــ[21 - 10 - 2010, 05:18 م]ـ
هذه هي! هذه هي!
لو وجدت لها نصا لم يعرَّف لعرفتُها ..
بين نصوصها خيط فولاذي لا يكاد ينفصم، تجاربها غالبا تميل للجانب الموحش القريب جدا من النهايات، جانب الظلم والظلمة، جانب الشيب والكهولة ولحظات الوداع .. على أن شاعرتنا في ريعان الشباب حفظها الله، وهذا ما يستحق الدراسة.
وهي تجيد استخدام أدواتها:فيكون القالب تفعيلة مع الشعر القائم على قصة ذات بوح طويل ويكون عموديا مع لحظة الشجن القصيرة الدامعة ..
وفي كليهما هتان الشعر لا يكف، وفيضان الحزن لا يجف ..
تذكرت هنا أني طمعت في معرفة سيرة ذاتية وارفة فاستدعَتْ قول أحمد مطر:
((حياتنا خطوتان فنحن نخرج القدم الثانية من المهد بعد أن نكون قد وضعنا الأولى في اللحد))
أما أنت العقد الفريد، فاستوقفني قولك:
إنها مجاورة الجميل للأجمل وما تفعل!
وألوانك جعلتني أحلل المفردات وأعلل ما وراءها
كل هذا فنٌ فوق الفن .. وخيال مركب مع الخيال .. وحسَنٌ يصاحب حسَن ..
أشكرك وأحيي حضورك النادر ..
¥