تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمن الذين أثبتوا وقوع الألفاظ الأعجمية في القرآن نجد الدكتور حلمي خليل في كتابه (المولد في العربية)، الذي يرى أن العربية في تاريخها الطويل لم تنج من تأثير اللغات الأخرى أو تأثيرها في اللغات الأخرى، ناهيك عن صلتها بما حولها من أمم وما جاورها من بلاد كبلاد فارس وبلاد الروم .. ، وأن كل هذا وغيره يدل دلالة قاطعة على أن اللغة العربية احتكت بمعظم اللغات القديمة سواء من العائلة السامية أم من العائلات الأخرى (16). وقد سوغ له ذلك القول أن: " كلام القرآن الكريم ليبدو فوق طاقة البشر في توازنه وتجانسه وانسجامه، ومع ذلك لم يمنع أن ترد في هذا الكتاب الكريم ألفاظ مما اقترضتها العربية من اللغات الأخرى أثناء احتكاكها بهذه اللغات أو المتكلمين بها، وذلك باعتبار أن هذه الألفاظ أصبحت ملكا خالصا للعرب والعربية ولها من الدلالات ودقة الاستعمال ما لا تغني معه ألفاظ أخرى .. “ (17).

ولكنه - رغم ذلك - يلاحظ على بعض القدماء عدم الدقة التي اتسمت بها أحكامهم في نسبتهم بعض تلك الألفاظ إلى لغات بعينها، ملتمسا لهم العذر لأن المحدثين ممن لهم دراية بفقه اللغة الحديث وقعوا في مثل هذه الأخطاء، ولأنهم - أي القدماء – لم يلموا بفكرة العائلات اللغوية وفصائلها وحركاتها التاريخية إلماما دقيقا (18).

ونراه يقول بعد ذلك بوجود قدر من الألفاظ المشتركة بين العربية وغيرها من اللغات السامية، وأن هذه الألفاظ هي التي تسجل عدم دقة القدماء أحيانا في إصدار أحكام بنسبة بعضها إلى لغات معينة (19)، ولكن ذلك عنده لا يقلل من جهود علماء العربية القدماء، وذلك لأن حصر الكلمات التي اقترضتها العربية من اللغات الأخرى أو بالنسبة لأي لغة أخرى مع معرفة أصولها البعيدة والطريق التي سلكتها عند دخولها إلى العربية أمر يحفه الغموض أحيانا (20). ثم يستدرك قائلا: “ وعلى الرغم من اشتراك اللغات السامية في هذه الألفاظ فليس معنى ذلك إطلاق القول بأن العربية لم تقترض من اللغات السامية كلها أو بعضها، إذ لا شك أن بعض الألفاظ، التي أثبتت الدراسات اللغوية الحديثة أنها دخلت العربية، من بعض اللغات السامية “ (21).

ويصل الدكتور حلمي خليل، بعد كل هذا، إلى حقيقة مهمة عنده، وهي أنه قد يكون من السهل إلى حد ما ردّ كلمة معربة إلى مصدرها الأول إذا كان هذا المصدر من عائلة لغوية أجنبية عن العربية، أما إذا كانت اللفظة من عائلة لغوية واحدة فإن الأمر عسير، إذ لا بد على الأقل من أن تكون الكلمة في هذه الحالة منتمية فكريا وحضاريا بشكل واضح إلى غير المجتمع الذي انتقلت إلى لغته أو أن تكون بلا سلسلة اشتقاقية (22)، لأنه إذا كان للكلمة عنده سلسلة اشتقاقية غير كاملة في العربية أو غيرها حكم عليها بعدم أصالتها في تلك اللغة، أما إذا كانت هذه السلسلة كلها موجودة في العربية فإن القول بأنها معربة باطل، إذ يمكن اعتبارها والحالة هذه من التراث العام للغات السامية كلفظ (القدس) مثلا (23). وهو بذلك لا ينفي اشتراك اللغات في ألفاظ بعينها، مما ذكر بعض القدماء أنها انحدرت إلى العربية من لغات محددة، وهذا ما دفعه إلى انتقاد بعض الدارسين المحدثين لمبالغتهم في إلحاق ألفاظ عربية أصيلة العروبة بمصادر سامية أخرى، ذاكرا أن الطريقة المثلى في حالة هذا المشترك يكون بيانها بذكر الألفاظ المشتركة بين اللغات السامية دون القول بأن العربية أو غيرها هي التي أخذت إلا عندما يثبت الانتقال بما لا شك فيه من الظواهر الصوتية والصرفية بالإضافة إلى الأدلة التاريخية و الحضارية، وهو ما لا نعدمه عند بعض الدارسين. أما إذا كانت هذه الألفاظ من مجموعات لغوية أخرى فإن المرجح هو تحقيق وجود اللفظة العربية بمعناها في أصل كامل التصرف له سلسلة واضحة من الاشتقاقات قبل أن نقول برأي في أصالة هذه الألفاظ أو عدم أصالتها في العربية (24)، فأساس الحكم عنده إذن يكمن في تصرف الألفاظ التي يشك في أصالتها في العربية تصرفا كاملا مما يولد سلسلة من الاشتقاقات، وهو ما لا يقبل به بعض المنكرين كما سنرى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير