تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العقل والمنطق؛ لأنه من المستحيل أن يحيط المرء بألفاظ اللغة كافة، خصوصا إذا كانت متعددة اللهجات (32). وصحيح أنه لا يمكن أن يحيط المرء بألفاظ اللغة كلها، ولكن ليس صحيحا ولا مما يقبله العقل والمنطق أن ابن عباس وغيره من علماء الأمة المشهود لهم بالرسوخ في العلم وبالورع مع كلام الله أن يقولوا فيه بغير علم كأن يحكموا على لفظة ما بأنها سريانية لأنهم لم يعرفوها!

القول بعجمة لفظ من ألفاظ العربية عند الأقدمين لم يكن مبنيا على البحث والدرس والعلم بلغات غير عربية، وإنما كان مبنيا على الظن والتوهم ولكننا رغم ذلك نجده يشير إلى بعض الحقائق الهامة حول دراسات القدماء لمثل هذه الظاهرة – ظاهرة ورود الكلمات غير العربية في القرآن الكريم وفي لسان العرب – وإن لم يوفق في بعضها، إذ نجده مثلا – وهو محقّ نوعا ما في ذلك – يرى أن القول بعجمة لفظ من ألفاظ العربية عند الأقدمين لم يكن مبنيا على البحث والدرس والعلم بلغات غير عربية، وإنما كان مبنيا على الظن والتوهم (33)، ولعله يعني بذلك اضطراب أقوالهم في نسبة نفس الألفاظ إلى لغات مختلفة – وهو أمر واقع – فينسبها بعضهم إلى السريانية وبعضهم إلى الرومية وآخرون إلى الفارسية .. وهكذا، غير أني أرى في ذلك دليلا على رجوع هذه الألفاظ إلى القدر المشترك من الثروة اللغوية بين هذه اللغات، وهذا نفس ما يدعو إليه الباحث في كتابه، فكان الأولى أن يأخذ اضطرابهم ذاك دليلا على وجود هذا اللفظ أو ذاك في جميع تلك اللغات لا أن يعود باللائمة عليهم.

ثم يقرر بعد ذلك – وهو غير مصيب تماما – أن كل كلمة عندهم لم يشتهر فيها استعمال جاهلي دخيلة (34)، فكثيرا ما نجدهم بعد الحكم على لفظة بأنها غير عربية يستشهدون ببيت من الشعر أو عدة أبيات على استخدام العرب لها في كلامهم، مثال ذلك أننا نجد الجواليقي يقول في بداية كتابه: “ هذا كتاب نذكر فيه ما تكلمت به العرب من الكلام الأعجمي، ونطق به القرآن المجيد، وورد في أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضوان اله عليهم أجمعين، وذكرته العرب في أشعارها وأخبارها. ليعرف الدخيل من الصريح “ (35). كما نجده يذكر أن العرب قد تغير بعض حروف الكلمة الأعجمية إذا استعملتها في مخاطباتها، مستدلا بقول سالم بن قحفان:”ما شربت بعد طوي القربق من شربة غير النجاء الأدفق”

والشاهد فيه قوله (القربق) وهي في الأصل تنطق بصوت بين الجيم والقاف، وقد تجعل (كربج) أو (كربك) (36)، كما استشهد بقول الأعشى: “عليه ديابوذ تسربل تحته أرندج إسكاف يخالط عظلما”

في حديثه عن كلمة (أرندج) التي ذكر أن أصلها الفارسي (رنده) (37)، واستشهد بثلاثة أبيات لثلاثة من الشعراء الجاهليين في حديثه عن لفظ (الآجر) الذي يرى فيه أنه فارسي معرب (38)، وهناك أمثلة غير هذا كثيرة لا مجال لسردها واحدا واحدا. فهل يعقل بعد هذا أن يقال إن القدماء إذا لم يجدوا للفظ استعمالا جاهليا نسبوه إلى العجمة؟! وهل لا يتعارض هذا مع قول الباحث في موضع آخر: “ ... نضرب لهذا مثلا كلمة (دشت) في الفارسية بمعنى الصحراء؛ إذ لا يجادل أحد في فارسيتها، وهي وردت في الشعر الجاهلي“ (39).

ويستدرك، بعد سرده عدة ألفاظ أرجعها إلى أصولها العروبية – وهو ما يسمى باللغات السامية التي يرى كما يرى أغلب الباحثين المحدثين أن اللغة العربية هي أمها جميعا! - القول بأن هدف بعض من زعموا وقوع الدخيل والمعرب في اللغة العربية هو النيل من العربية واتهامها بالنقص وحاجتها إلى الاستعارة من اللغات الأخرى الأرقى منها – في تصورهم – والأغنى والأكثر تقدما فيما يتوهمون، وأنه في رده على مثل هؤلاء يبادر إلى القول إنه ليس من القائلين بأن كل لفظ مستعمل في العربية خالص العروبة، ولا ينفي الاستعارة بإطلاق من لغات أخرى، لأن ذلك في رأيه أمر طبيعي، غير أن الإمعان في زعم الدخيل وكثرة المستعار أمر غير صحيح (40). وهو ما لن يقف عليه الناظر في مواد كتابه، ولا في المنهج الذي ارتضاه لنفسه، وربما يفسر كلامه (بأن هدف بعض من زعموا وقوع الدخيل والمعرب في اللغة العربية هو النيل من العربية واتهامها بالنقص وحاجتها إلى الاستعارة من اللغات الأخرى الأرقى منها – في تصورهم – والأغنى والأكثر تقدما فيما يتوهمون) على أن عمله في هذا الكتاب كان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير