تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وترفض الحكومة الفرنسية الاعتراف الرسمي ببعض اللغات المحلية كلغة الباسك والبريتون، مع أنها لغات غير وافدة، فالمتحدثون بها ليسوا مهاجرين، وإنما هم مواطنون فرنسيون أصليون ومع ذلك لا تستجيب الحكومة لمطلبهم لخطره على التوحد اللغوي للأمة الفرنسية، مع أن فرنسا تحتضن اللغة الأمازيغية وتنشئ لها معاهد ومراكز بحث متخصصة، في محاولة لتعميق الهوة بين المسلمين: العرب والبربر من أبناء شمال إفريقية، وتنشط بشدة لنشر ثقافتها في دول غرب إفريقية على وجه الخصوص، ولها جامعات في بعض الدول العربية كلبنان وهي قاعدة النشاط الفرنسي في العالم العربي، ومصر، ودبي، وأربيل في شمال العراق، فتحل لنفسها ما تحرمه على غيرها وذلك شعار زمان: حق القوة لا قوة الحق كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين.

وفي تركيا حرص الأتاتوركيون على استبدال حروف اللغة اللاتينية بحروف اللغة العربية في كتابة لغتهم مع أنها تركية إمعانا في قطع الصلة بين الأتراك ولغة الوحي، وهو أمر دعا إليه بعض العلمانيين في مصر في بداية القرن الماضي إرادة إفساد اللسان العربي في مصر.

وفي مصر توجد طبقات اجتماعية فقد أبناؤها التواصل مع بقية أفراد المجتمع فلا يجيدون اللغة الأم، بينما يجيدون اللغة التي درسوا بها في المدارس الأجنبية اتي تعتبر صورة متقدمة من صور الغزو الثقافي لدول العالم الإسلامي، فإن أولئك لا يمكنهم ممارسة الشعائر الدينية بسهولة كسائر المسلمين الذين يجيدون اللغة العربية، وذلك يؤدي في النهاية إلى تكوين مجتمعات جديدة داخل جسد المجتمع الأم فتتعدد الولاءات تبعا لتعدد الثقافات، فالولاء الديني يقسم مصر إلى مجتمعين شعارهما الآن: التناطح، فضلا عن الولاء الفكري لمعظم خريجي المدارس والجامعات الأجنبية فهو يتنوع بتنوع اللغة التي درسوا بها.

ولا يشبه اللسان اللسان حتى يشبه القلب القلب قياسا عما أثر عن ابن مسعود، رضي الله عنه، من قوله: لا يشبه الزي الزي حتى يشبه القلب القلب، فاللغة من جنس الزي المعنوي، كما أن الثياب من جنس الزي الحسي.

وفي العراق وهو شاهد عدل لا يمكن رد شهادته على ما سببته التعددية الثقافية!، تم تقسيم الدولة بالقوة، وإن لم يتم التقسيم بالفعل إلى: شمال يغلب عليه الطابع الكردي لغة وثقافة بل وشعارا، ووسط يغلب عليه الطابع العربي، وجنوب يغلب عليه الطابع الفارسي حتى قال بعض المتابعين للشأن العراقي، والعهدة عليه، بأن المستندات الرسمية التي يلزم التجار تعبئتها قبل الدخول إلى مدينة البصرة، قصبة الجنوب العراقي، تطبع الآن باللغة الفارسية، وأيا كان الأمر فإن التغلغل الفارسي في جنوب العراق لغة وثقافة ومذهبا أمر بارز أدى إلى تغيير التركيبة السكانية في مدينة كالبصرة على سبيل المثال إذ تلقصت نسبة اهل السنة من 30 % إلى نحو 7 %، وتلك صورة أخرى من صور التسامح الديني والحضاري المزعوم، فالقومية الفارسية وهي قومية شديدة التعصب ضد كل المظاهر العربية سواء في فارس أو العراق تأبى أن تناطحها القومية اللسانية العربية، إذ لم يتخط الصراع في أذهان القوم بَعدُ: صراع العرب أبناء البادية والفرس أبناء الحاضرة وكيف استطاع عبيد الأمس قهر السادة وإزالة ملكهم مع أنهم أزالوه برسم الإسلام لا العروبة.

والأمثلة على ذلك كثيرة وهي تؤكد أن اللغة عامل مهم في تماسك الأمم، لا سيما الأمة الإسلامية التي تشكل اللغة فيها بعدا أسمى من مجرد التواصل الاجتماعي فهي اللغة الرسمية للوحي، إن صح التعبير، وهي لسان النبوة الناطق، ولم تفلح أي لغة أخرى في استيعاب دقائق معاني التنزيل التي لا يدركها إلا آحاد العرب الخلص فكيف بغير العرب؟!.

والله أعلى وأعلم.

ـ[محمد التويجري]ــــــــ[11 - 12 - 2009, 07:34 م]ـ

بارك الله فيك أستاذي الفاضل

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير