تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لتيتو من ذلك التهجير القسري، فلم يفلح الولاء القومي في حفظ تماسك يوغوسلافيا وظهر مجددا أن الرابطة الدينية أقوى من الرابطة القومية واللسانية، وإن لم يكن الأفراد في حياتهم الخاصة متدينين، فهو لواء يعقد حين اشتعال الأزمات فقط، ليحصل الساسة مآربهم، ومع ذلك يصر العلمانيون على أن الدولة المدنية التي لا يوجد في هوياتها خانة للديانة هي الحل الأمثل لوأد أي صراعات طائفية، في غفلة أو إغفال لدور الدين في تكوين الشخصية لا سيما في دول الشرق المسلم التي يغلب على أفرادها التدين بالمقارنة مع الغرب النصراني، وحتى الأقليات الدينية في الشرق المسلم تعتبر بالمقارنة مع الغرب متدينة بل متطرفة، فهي لا تسمع إلا لرجال دولة الكنيسة! كما هو الحال عندنا في مصر، فولاؤها للدولة المدنية المتهالكة شبه معدوم، فمصر القومية لا تعنيهم كثيرا، وإنما يعنيهم مصر الأرثوذكسية التي احتلها الرومان الكاثوليك ثم العرب المسلمون الذين قهروا أهلها على الإسلام أو هجروهم أو قتلوهم أو .... إلخ، على حد افترائهم المكشوف الذي يكذبه أي منصف منهم نظر في التاريخ بعين الحياد والتجرد، لتغيير التركيبة السكانية على هذا النحو الذي تعيشه مصر الآن في ظل أغلبية إسلامية كاسحة مطردة الزيادة، رغم كل العقبات، ولله الحمد والمنة.

فلا يمكن جعل اللغة هي العامل الرئيس في نشوء قومية ما، وإن كان لها دور كبير في ذلك، لا سيما في المجتمعات التي تكتسب فيها اللغة بعدا دينيا، كما هو الحال في المجتمعات العربية التي نجحت في حفظ تراثها الديني باللغة التي نزل بها الوحي ونطق بها صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فالعامل الديني هو المقدم، فهو الذي يحرك فرنسا الكاثوليكية، على سبيل المثال، إلى دعم نصارى لبنان لأنهم على نفس المذهب، مع اختلاف اللغة والعادات.

ولم ينجح كيان يهود في توحيد شذاذ الآفاق من شتى الأمصار إلا برسم الديانة، بل لم يسع في إحياء اللغة العبرية المندثرة إلا ليجمع اليهود عليها برسم الديانة فهي لغة اليهود وليست لغة الدولة المدنية أو العلمانية، فالبعد الديني في ذلك ظاهر لكل ذي نظر، وكيان يهود اللقيط لا يخجل في زمن العولمة! من التمسك بوصف الدولة اليهودية وفرضه على الطرف الآخر قسرا كما ظهر في الآونة الأخيرة، مع أنه يرفض أن يفاوض على الطرف الآخر دولة أو حكومة أو سلطة إسلامية، فيحل لنفسه ما يحرمه على غيره، ويجد من العلمانيين آذانا صاغية مع كونهم أعداء الدين عموما، وهم عند التحقيق أعداء الإسلام خصوصا.

وبعض من أهمل النظر إلى العامل اللغوي في تكوين القوميات استشهد بالتجربة السويسرية والتجربة البلجيكية، فسويسرا تتكلم أربع لغات! مع كونها دولة صغيرة تبلغ مساحتها نحو 40 ألف كيلومتر مربع، أي نحو 4% من مساحة مصر، وعدد سكانها نحو 7 ملايين نسمة فعدد سكان مدينة القاهرة أكبر من عدد سكانها، فتتكلم الإيطالية والفرنسية والألمانية تبعا للتجاور الجغرافي مع هذه الدول، وتتكلم الرومانسية، وهي لغة ذات أصل لاتيني، ومع ذلك لا تأثير لذلك التنوع على استقرارها السياسي، وهو مثال لا يسلم لضاربه إذ لا يمكن في مجتمع يعاني منذ سنوات من ارتفاع النبرة العنصرية أن يحس أفراده بالائتلاف التام مع كونهم من أصول متعددة، تختلف ألسنتها اختلافا بينا، وما جرى أخيرا من الاستفتاء الذي أيد فيه أكثر من نصف سكان البلاد حظر بناء المآذن، أثر من آثار ذلك الاختلاف.

والمثال الثاني هو بلجيكا وهي أصغر من سويسرا فمساحتها نحو 30 ألف كيلومتر مربع وعدد سكانها نحو 10 ملايين نسمة، وهو أيضا أقل من عدد سكان مدينة القاهرة بمفردها!، ومع ذلك تتكلم بثلاث لغات: الألمانية في الشرق، والهولندية في الشمال وهي لغة قومية الفلاندر ذات الطابع الهولندي لاتصال حدودها مع هولندا، والفرنسية في الجنوب وهي لغة قومية الوالون ذات الطابع الفرنسي لاتصال حدودها مع فرنسا، وقد أدى ذلك التنوع، إلى اضطرابات سياسية كبيرة هي نسخة من الصراع الفرنسي الهولندي القديم على أرض بلجيكا فضلا عن زرع الأقلية الألمانية في جسم الدولة قسرا بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى سنة 1918 م، فكل طائفة تدافع عن مصالح قوة خارجية تدعمها مع كون الصراع ذا بعد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير