تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن النص القرآني تحول جذري، يمثل قطيعة مع الجاهلية على مستوى المعرفة، والنسق التعبيري. فهو أسلوب: «عجيب، ومنهج من الحديث مبتكر. كأن ما سواه من أوضاع الكلام منقول، وكأنه بينها -على حد قول بعض الأدباء- وضع مرتجل، لا ترى له سابقا جاء بمثله، ولا لاحقا طبع على غراره. فلو أن آية منه جاءتك في جمهرة من أقوال البلغاء لدلت عن مكانتها، واستمازت من بينها، كما يستميز اللحن الحساس من بين ضروب الألحان، أو الفاكهة الجديدة من بين ألوان الطعام.» (5) فإن كان النص القرآني قد طوى المعرفة الجاهلية، فإنه انزاح عن لغتها، وضادها بنيويا، لقول "الرماني" في وجوه الإعجاز السبعة، حتى ذكر "نقض العادة". وما نقض العادة؟: «فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام المعروفة، منها الشعري، ومنها السجع، ومنها الخطاب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس من الحديث، تفوق به كل طريقة.» (6) علما بأن مصطلح نقض العادة في عرف النقد الحديث، يمثل نقطة الابتعاد عن الدرجة الصفر التي تكون فيها اللغة واحدة لدى الجميع، تشير إلى ما هو كائن إشارة واحدة. وكل خرق لهذه القاعة، وهذا المستوى يعد تضادا بنيويا، أو انزياحا، غرضه الأساس "نقض العادة" التي كانت سائدة، وصدم الواقع الراهن. ذلك الذي أفضى بالبعض إلى اعتبار النسق القرآني لغة جديدة كل الجدة. لقد أخبر الحسن بن عبد الرحيم، عن أبي خليفة عن محمد بن سلام الجمحي، قال: قال عمرو بن العلاء: اللسان الذي نزل به القرآن، وتكلمت به العرب على عهد النبي? عربية أخرى عن كلامنا هذا.» (7). فهي إذن مادة صوتية تبتعد: «عن طراوة لغة أهل الحضر، وخشونة أهل البادية. وتجمع في تناسق حكيم بين رقة الأولى و جزالة الثانية، وتحقق السحر المنشود. بفضل من التوفيق الموسيقي البديع بينها .. إنها ترتيب في مقاطع الكلمات في نظام أكثر تماسكا من النثر، وأقل نظما من الشعر. تنوع من خلاله الآية الواحدة لتجذب نشاط السامع، ويتجانس في آخر الآيات سجعا لكي لا يختل الجرس العام للموافقات في كل سورة.» (8)

1 - القرآن بين التفسير والتأويل:

تأخذ مسألة التفسير والتأويل في الفكر العربي القديم أبعادا شتى عند علماء العربية، وأهل التفسير، ورجالات الفرق. عندما يتحدّ المصطلحان لدى البعض، حتى لا تكاد الحدود تبين وتتميز، كونهما يؤولان نهاية الأمر إلى المرجعية الفكرية التي يغترف منها "الفرقاء" أوليات علمهم. فذا ابن حبيب النيسابوري يضج من تداخل الدلالة فيقول: «نبغ في زماننا مفسرون، لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه.» (9) فإذا كانت منهجية كانت منهجية البحث تفرض علينا أن نبحث في "الفروق" اللغوية قبل الفروق الاصطلاحية، ورجعنا إلى "لسان العرب" ألفينا بقية من ذلك التداخل يتسرب إلى فكر المصنف، فيذكر لنا بعد أن شرح التفسير، والفسر، قول ابن الأعرابي: التفسير والتأويل معنى واحد. (10) فيتحقق عندنا تذمر "ابن حبيب". غير أننا سرعان ما نجد "ابن منظور" يعود بنا إلى فرق جوهري بين التفسير والتأويل في مادة "أول" فيسجل لنا أن التأويل ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر. بيد أن الخلط المتأخر في دلالة المصطلح، لم يكن كذلك عند الأوائل، وأن تسمية الكتب والمصنفات ب "التفسير" و"التأويل" لم يكن مصادفة أو أخذا بالترادف. لأن الأوائل أدركوا حقيقة بالغة الأهمية في اللغة ورائعا ودقتها. لأن الاسم: «كلمة تدل على معنى دلالة الإشارة، فإذا أشير إلى شيء مرة واحدة فعرف، فالإشارة إليه ثانية وثالثة غير مفيدة. وواضع اللغة حكيم لا يأتي فيها يما لا يفيد. فإن أشير منه في الثاني والثالث إلى خلاف ما أشير إليه في الأول كان ذلك صوابا. فهذا يدل على أن كل اسمين يجريان على معنى واحد من المعاني، وعين من الأعيان في لغة واحدة، فإن كل واحد منها يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا لكان الثاني فضلا لا يحتاج إليه، وإلى هذا ذهب المحققون من العلماء.» (11)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير