ماذا ترى يا (أبا تمام) هل كذبت = أحسابنا؟ أو تناسى عرقه الذهب؟
عروبة اليوم أخرى لا ينم على = وجودها اسم ولا لون .. ولا لقب
تسعون ألفاً (لعمورية) اتقدوا = وللمنجم قالوا: إننا الشهب
قبل انتظار قطاف الكرم ما انتظروا = نضج العناقيد لكن قبلها التهبوا
واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا = نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب
تنسَى الرؤوسُ العوالي نار نخوتها = إذا امتطاها إلى أسياده الذئب
(حبيب) وافيت من صنعاء يحملني = نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب
ماذا أحدِّث عن صنعاء يا أبتي؟ = مليحة عاشقاها: السل والجرب
ماتت بصندوق» وضاح «بلا ثمن = ولم يمت في حشاها العشق والطرب
كانت تراقب صبح البعث فانبعثت = في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب
لكنها رغم بخل الغيث ما برحت = حبلى وفي بطنها» قحطان «أو» كرب «
وفي أسى مقلتيها يغتلي» يمن «= ثانٍ كحلم الصبا ... ينأى ويقترب
» حبيب «تسأل عن حالي وكيف أنا؟ = شُبَّابةٌ في شفاه الريح تنتحب
كانت بلادك (رحلاً)، ظهر (ناجية) = أما بلادي فلا ظهر ولا غبب
أرعيتَ كل جديبٍ لحمَ راحلةٍ = كانت رعته وماء الروض ينسكب
ورحت من سفر مضن إلى سفر = أضنى لأن طريق الراحة التعب
لكن أنا راحل في غير ما سفر = رحلي دمي ... وطريقي الجمر والحطب
إذا امتطيت ركاباً للنوى فأنا = في داخلي ... أمتطي ناري واغترب
قبري ومأساة ميلادي على كتفي = وحولي العدم المنفوخ والصخب
» حبيب «هذا صداك اليوم أنشده = لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب؟
ماذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟ = إني ولدت عجوزاً .. كيف تعتجب؟
واليوم أذوي وطيش الفن يعزفني = والأربعون على خدّي تلتهب
كذا إذا ابيض إيناع الحياة على = وجه الأديب أضاء الفكر والأدب
وأنت من شبت قبل الأربعين على = نار (الحماسة) تجلوها وتنتخب
وتجتدي كل لص مترف هبة = وأنت تعطيه شعراً فوق ما يهب
شرّقت غرّبت من (والٍ) إلى (ملك) = يحثك الفقر ... أو يقتادك الطلب
طوفت حتى وصلت (الموصل) انطفأت = فيك الأماني ولم يشبع لها أرب
لكن موت المجيد الفذ يبدأه = ولادة من صباها ترضع الحقب
» حبيب «مازال في عينيك أسئلة = تبدو ... وتنسى حكاياها فتنتقب
وماتزال بحلقي ألف مبكيةٍ = من رهبة البوح تستحيي وتضطرب
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا = ونحن من دمنا نحسو ونحتلب
سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا = يوماً ستحبل من إرعادنا السحب؟
ألا ترى يا» أبا تمام «بارقنا = (إن السماء تُرجَّى حين تُحتَجَب)