وأَنّي لا يَخافُ الغَدرَ جاري==وَلا يَخشى غوائِلي الغَريبُ
وَكَم مِن صاحِبٍ قَد بانَ عنّي==رُميتُ بِفَقدِهِ وَهوَ الحَبيبُ
فَلَم أُبدِ الَّذي تَحنوا ضُلوعي==عَليهِ وإِنَّني لأَنا الكَئيبُ
مَخافَةَ أَن يَراني مُستَكيناً==عَدوٌ أَو يُساءَ بِهِ قَريبُ
وَيَشمَتَ كاشِحٌ وَيَظُنَّ أَنّي==جَزوعٌ عِندَ نائِبَةٍ تَنوبُ
فَبَعدَكَ سَدَّتِ الأَعداءُ طُرقاً==إِليَّ وَرابَني دَهرٌ يَريبُ
وأَنكَرتَ الزَمانَ وَكُلَّ أَهلي==وَهَرَّتني لِغيبِتكَ الكَليبُ
وَكُنتُ تُقَطَّعُ الأَبصارُ دونى==وإِن وَغِرَت مِنَ الغَيظِ القُلوبُ
وَقَد أَبقى الحَوادِثُ مِنكَ رُكناً==صَليباً ما تؤَيِّسُهُ الخُطوبُ
عَلى أَنَّ المَنيَّةَ قَد توافي==لِوَقتٍ والنائِبُ قَد تَنوبُ
القصيدة السادسة: عَفا ذو الغَضا مِن أُمِّ عَمروٍ فأقفَرا
عَفا ذو الغَضا مِن أُمِّ عَمروٍ فأقفَرا==وَغَيَّرَهُ بَعدي البِلى فَتَغَيَّرا
وَبُدِّلَ أَهلاً غيرِها وَتَبَدَّلَت بِهِ==بَدَلاً مَبدىً سِواهُ وَمَحضَرا
إِلى عَصَرٍ ثُمَّ استَمَرَّت نَواهُمُ==لِصَرفٍ مَضى عَن ذاتِ نَفسِكَ أَعسَرا
وَكانَ اجتِماعُ الحيِّ حَتّى تَفَرَّقوا==قَليلاً وَكانوا بِالتَفَرُّقِ أَجدَرا
بَل الزائِرُ المُنتابُ مِن بَعدِ شُقَّةٍ==وَطولِ ثَناءٍ هاجَ شَوقاً وَذكَّرا
خَيالٌ سَرى مِن أُمِّ عَمروٍ وَدونَها==تَنائِفُ تُردى ذا الهِبابِ المُيَسَّرا
طَروقاً وَأَعقابُ النُجومِ كأَنَّها==تَوالي هِجانٍ نَحوَ ماءٍ تَغَوَّرا
فَقُلتُ لَها أُبي فَقَد فاتَنا الصِبا==وآذِنَ رَيعانُ الشَبابِ فادبَرا
وَحالَت خُطوبٌ بَعدَ عَهدِكَ دونَنا==وَعَدّى عَن اللَهو العَداءُ فأقصَرا
أُمورٌ وأَبناءٌ وَحالٌ تَقَلَّبَت==بِنا أَبطُنٌ يا أُمَّ عَمروٍ وأَظهُرا
أُصِبنا بِما لَو أَنَّ رَضوى أَصابَها==لَسَهَّلَ مِن أَركانِها ما تَوعَّرا
فَكَم وَجَدَت مَن آمنٍ فَهوَ خائِفٌ==وَذي نِعمَةٍ مَعروفَةٍ فَتَنَكَّرا
بِأَبيَضَ يُستَسقى الغَمامُ بِوَجهِهِ==إِذا اختيرَ قالوا لَم يَقِل من تَخَيَّرا
ثِمالِ اليَتامى يُبَرىءُ القَرحَ مَسُّهُ==وَشَهمٍ إِذا سيمَ الدِنيَّةَ أَنكَرا
صَبورٍ عَلى مَكروهِ ما يَجشِمُ الفَتى==وَمُرٍّ إِذا يُبغى المَرارَةُ مُمِقرا
مِنَ الرافِعينَ الهَمَّ لِلذِكرِ والعُلى==إِذا لَم يَنؤَ إِلا الكَريمُ ليُذكَرا
وَريقٍ إِذا ما الخابِطونَ تَعالموا==مَكانَ بَقايا الخَيرِ أَن يَتأَثَّرا
رُزينا فَلَم نَعثُر لِوَقعَتِهِ بِنا==وَلَو كانَ مِن حَيٍّ سِوانا لأعثَرا
وَما دَهرُنا أَلَّا يَكونَ أَصابَنا==بِثِقلٍ وَلكِنَّا رُزينا لِنَصبِرا
فَزالَ وَفينا حاضِروهُ فَلَم يَجِد==لِدَفعِ المَنايا حاضِرٌ مُتأَخَّرا
كأَن لَم يَكُن مِنّا وَلَم نَستَعِن بِهِ==عَلى نائباتِ الدَهرِ إِلّا تَذَكُّرا
وإِنّا عَلى غَمزِ المَنونِ قَناتَنا==وَجَدِّكَ حاموا فَرعِها أَن يُهَصَّرا
بِجُرثومَةٍ في فَجوَةٍ حيلَ دونَها==سُيولُ الأَعادي خيفَةً أَن تَنَمَّرا
أَبى ذَمُّنا إِنّا إِذا قالَ قَومُنا==بِأَحسابِنا أَثنوا ثَناءً مُحَبَّرا
وَإِنّا إِذا ما الناسُ جاءَ==تقُرومُهُم يَفرَعُ الناسَ أَزهَرا
تَرى كُلَّ قَرمٍ يَتَّقيهِ مَخافَةً==كَما تَتَّقي العُجمُ العَزيزَ المُسَوَّرا
وَمُعضِلَةٍ يُدَعى لَها مَن يُزيلُها==إِذا ذُكِرَت كانَت سَناءً وَمَفخَرا
دَفَعتُ وَقَد عَيَّ الرِجالُ بِدَفعِها==وأَصبَحَ مِني مِدرَهُ القَومِ أَوجَرا
أَخَذنا بِأَيدينا فَعادَ كَريهُها==مُخِفّاً وَمولىً قَد أَجَبنا لِنَنصُرا
بِغَيرِ يَدٍ مِنهُ وَلا ظُلمِ ظالِمٍ==نَصَرناهُ لَمّا قامَ نَصراً مؤَزَرا
فإِن نَنجُ مِن أَهوالِ ما خافَ قَومُنا==عَلينا فإِنَّ اللَهَ ما شاءَ يَسَّرا
فإِن غالَنا دَهرٌ فَقَد غالَ قَبلَنا==مُلوكَ بَني نَصرٍ وَكِسرى وَقَيصَرا
وآباؤنا ما نَحنُ إِلّا بَنوهُمُ==سَنَلقى الَّذي لاقوا حِماماً مُقَدَّرا
وَعَوراءَ مِن قَولِ امرىءٍ ذي قَرابَةٍ==تَصامَمتُها وَلَو أَساءَ وَأَهجَرا
كَرامَةَ حَيٍّ غيرَةً واصطِناعَةً==لِدابِرَةٍ إِن دَهرُنا عادَ اَزوَرا
وَذي نَيرَبٍ قَد عابَني لينالَني==فأَعبى مَداهُ عَن مَدايَ فأَقصَرا
وَكَذَّبَ عَيبَ العائِبينَ سَماحَتي==وَصَبري إِذا ما الأَمرُ عَضَّ فأَضجَرا
¥