ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[13 - 01 - 2007, 01:59 م]ـ
قصيدة أخرى رائعة لهاشم الرفاعي
أرملة الشهيد تهدهد طفلها
نم يا صغيري إن هذا المهد يحرسه الرجاء
من مقلة سهرت لآلام تثور مع المساء
فأصوغها لحناً مقاطعه تَأَجَّج في الدماء
أشدو بأغنيتي الحزينة ثم يغلبني البكاء
وأمد كفي للسماء لأستحث خطى السماء
نم لا تشاركني المرارة والمحن
فلسوف أرضعك الجراح مع اللبن
حتى أنال على يديك منىً وهبت لها الحياة
يا من رأى الدنيا ولكن لم يرَ فيها أباه
ستمر أعوام طويلة في الأنين وفي العذاب
وأراك يا ولدي قوي الخطو موفور الشباب
تأوى إلى أم محطمة مُغَضَّنَةِ الإيهاب
وهنا تسألني كثيراً عن أبيك وكيف غاب
هذا سؤال يا صغيري قد أعد له جواب
فلئن حييت فسوف أسرده عليك
أو مت فانظر من يُسِرُّ به إليك
فإذا عرفت جريمة الجاني وما اقترفت يداه
فانثر على قبري وقبر أبيك شيئاً من دماه
غدك الذي كنا نؤَمل أن يصاغ بالورود
نسجوه من نار ومن ظلم تدجج بالحديد
فلكل مولود مكان بين أسراب العبيد
المسلمينَ ظهورهم للسوط في أيدي الجنود
والزاكمين أنوفهم بالترب من طول السجود
فلقد ولدت كي ترى إذلال أمة
غفلت فعاشت في دياجير الملمة
مات الأبيُّ ولم نسمع بصوت قد بكاه
وسعوا إلى الشاكي الحزين فألجموا بالرعب فاه
أما حكايتنا فمن لون الحكايات القديمة
تلك التي يمضي بها التاريخ دامية أليمة
الحاكم الجبار والبطش المسلح والجريمة
وشريعة لم تعترف بالرأي أو شرف الخصومة
ما عاد في تنورها لحضارة الإنسان قيمة
الحرُ يعرف ما تريد المحكمة
وقُضاته سلفاً قد ارتشفوا دمه
لا يرتجي دفعاً لبهتان رماه به الطغاة
المجرمون الجالسون على كراسي القضاة
حكموا بما شاءوا وسيق أبوك في أغلاله
قد كان يرجو رحمة للناس من جلاده
ما كان يرحمه الإله يخون حب بلاده
لكنه كيد المُدِل بجنده وعتاده
المشتهى سفك الدماء على ثرى رواده
كذبوا وقالوا عن بطولته خيانة
وأمامنا التقرير ينطق بالإدانة
هذا الذي قالوه عنه غداً يردد عن سواه
ما دمت تبحث عن أبِيٍّ في البلاد ولا تراه
هو مشهد من قصة حمراء في أرض خضيبة
كُتبت وقائعها على جدر مضرجة رهيبة
قد شاهدها الطغيان أكفاناً لعزتنا السليبة
مشت الكتيبة تنشر الأهوال في إثر الكتيبة
والناس في صمت وقد عقدت لسانهم المصيبة
حتى صدى الهمسات غشاه الوهن
لا تنطقوا إن الجدار له أذن
وتخاذلوا والظالمون نعالهم فوق الجباه
كشياه جزار وهل تستنكر الذبح الشياه؟؟
لا تصغي يا ولدي إلى ما لفقوه ورددوه
من أنهم قاموا إلى الوطن السليب فحرروه
لو كان حقاً ذاك ما جاروا عليه وكبلوه
ولما رموا بالحر في كهف العذاب ليقتلوه
ولما مشوا بالحق في وجه السلاح ليخرسوه
هذا الذي كتبوه مسموم المذاق
لم يبق مسموعاً سوى صوت النفاق
صوت الذين يقدسون الفرد من دون الإله
ويسبحون بحمده ويقدمون له الصلاة
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[13 - 01 - 2007, 02:11 م]ـ
قصيدة وصية لاجئ للشاعر هاشم الرفاعى ألقاها فى ندوة الشبان المسلمين لنصرة قضية فلسطين مساء 18 نوفمبر 1958 و نالت جائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون و الآداب.
أنا يا بنى غدا سيطوينى الغسق
لم يبق من ظل الحياة سوى رمق
و حطام قلب عاش مشبوب القلق
قد أشرق المصباح يوما و إحترق
جفت به آماله حتى إختنق
* * * * *
مأساتنا مأساة ناس أبرياء
و حكاية يغلى بأسطرها الشقاء
حملت الى الآفاق رائحة الدماء
و جريمتى كانت محاولة البقاء
أنا ما إعتديت و لا ادخرتك لاعتداء
* * * * *
لكن لثأر نبعه دام .. هنا
بين الضلوع جعلته كل المنى
و صبغت أحلامى به فوق الهضاب
و ظمئت عمرى ثم مت بلا شراب
* * * * *
كانت لنا دار و كان لنا وطن
ألقت به أيدى الخيانة للمحن
و بذلت فى إنقاذه أغلى ثمن
بيدى دفنت أخاك فيه بلا كفن
إلا الدماء، و ما ألم بى الوهن
* * * * *
إن كنت يوما قد سكبت الأدمعا
فلأننى حملت فقدهما .. معا
جرحان فى جنبى: ثكل و إغتراب
ولد أضيع .. و بلدة رهن العذاب
* * * * *
تلك الربوع هناك قد عرفتك طفلا
يجنى السنا و الزهر حين يجوب حقلا
فاضت عليك رياضها ماء و ظلا
و اليوم قد دهمت لك الأحداث أهلا
و مروجك الخضراء تحنى الهام ذلا
* * * * *
حيفا تأن، أما سمعت أنين حيفا
و شممت عن بعد شذى الليمون صيفا
تبكى فإن لمحت وراء الأفق طيفا
سألته عن يوم الخلاص متى وكيف
هى لا تريدك أن تعيش العمر ضيفا
* * * * *
هم أخرجوك فعد الى من أخرجوك
فهناك أرض كان يزرعها أبوك
قد ذقت من أثمارها الشهد المذاب
فإلام تتركها لألسنة الحراب؟
* * * * *
سيحدثونك يا بنى عن السلام
إياك أن تصغى الى هذا الكلام
كالطفل يخدع بالمنى حتى ينام
صدقتهم يوما فآوتنى الخيام
و غدا طعامى من نوال المحسنين
يلقى إليك .. الى الجياع النائمين
* * * * *
إن جئتها يوما و فى يدك السلاح
و طلعت بين ربوعها مثل الصباح
فاهتف على سمع الروابى و البطاح
إنى أنا الأمس الذى ضمد الجراح
لبيك يا و طنى العزيز المستباح
* * * * *
أولست تذكرنى أنا ذاك ا لغلام
من أحرقوا مأواه فى جنح الظلام
بلهيب نار حولها رقص الذئاب
لفت حياتى بالدخان و بالضباب
* * * * *
لا تبكين فما بكت عين الجناة
هى قصة الطغيان من فجر الحياة
فارجع الى بلد كنوز أبى حصاه
قد كنت أرجو أن أموت على ثراه
أمل ذوى، ما كان لى أمل سواه
* * * * *
فإذا نفضت غبار قبرى عن يدك
و مضيت تلتمس الطريق الى غدك
فاذكر وصية لاجئ تحت التراب
سلبوه آمال الكهولة و الشباب