فنحلم فوق أحلام الكُسالى=ونعجَز فوق عجز العاجزينا
ونكذبُ فوق كذب الناس طُرّاً= ونجهلُ فوق جهل الجاهلينا
ونصعدُ فوق، نهبطُ فوق، نمشي=اختيالاً فوقَ تحتِ الواطئينا
وكل أمورنا في القول فوقٌ =و واقعُنا لأسفل ِ سافلينا
متى نَعقِدْ قَرينتنا بحبل ٍ=تَجُذُّ الحبلَ، أو تَقِصُ القَرينا
و قد هرّت كلابُ الحَيِّ منّا =لأن طباعَها أ ُدرجْنَ فينا
فكم ذا قد سرقنا بيتَ مالٍ=وخُنّا العهد أو خُنّا اليمينا
وكم ذا قد ولَغنا في دماءٍ=زواكيَ، أو عضضنا مَن يلينا
و ينبح أيُّ كلبٍ حين يؤذى=ونؤذى حين ينبحُ حاكمونا
وأمّا بالشعوب فلم نفرِّط=و كنا في العدالة مُفرطينا
ملأنا الجوّ أجهزةَ التقاطٍ=و وجهَ الأرض ِ كُلَّه مُخبرينا
وكل مُواطن ذكراً وأنثى=نَصبنا تحت شاربهِ كَمينا
وإن نبسوا فليس لهم صَريخٌ=من البلوى، ولا هم يُنقَذونا
صَرفنا عنهمُ الأسماع قصداً=وأذكينا المَراصد والعيونا
وما من أسرةٍ إلاّ وفيها=لنا بعضُ الكرام الكاتبينا
نحللُ صمتَهم والفكرَ، لا بل =نصور منهمُ حتى الظنونا
نترجم عنهمُ الأنفاسَ، نصّاً=صريحاً، والتوجُّعَ والأنينا
فنحنُ مترجمون على اقتدار ٍ=ونحن محللون مصوِّرونا
ومن أنّا بثثنا الأمن فيهم=نلقَّبُ عندهم بالمؤمنينا
نزيد مقاسَ نعل ِ من استضفنا=ونُكسِبُ قدره نقصاً مُشينا
و يمكثُ في ضيافتنا مُهاناً=لياليَ، أو شهوراً، أو سنينا
وحين يكون لم يخطئ بتاتاً=نقول له: اشتباهٌ، آسِفونا
تألفنا الشعوب بكل هذا=فهم – دَعْ ما يقال – مُدَلّلونا
فجعناهم ضجعناهم فذلّوا=أجعناهم، وهاهم يتبعونا
وصادرنا حناجرهم، فهيّا=اسألوهم إن يكونوا يَنطقونا
و أخلينا أكُفَّهمُ، لكيما=إذا خطب الزعيم يُصفِّقونا
و هذي نبذةٌ ممّا لدينا=و هذا بعضُ حق مواطنينا
ديمقراطيةٌ لا شك فيها=سَلوا عنّا المقابر والسجونا
... ***
فنحنُ، ولا أكرر نحن إلاّ=لأصرفَ عن مَثالبنا العيونا
ملكنا كل أسباب المعالي=ولم نبلغ كعاب الأرذلينا
و يُرهبنا الدجاج إذا يُقاقي=و في الإرهاب نحن مصنَّفونا
لنا في الغرب أرصدةٌ كبارٌ=و مثقلةٌ كواهلُنا ديونا
رَصدناها ليوم الدين ذخراً=فنحن الآن لا نحتاج دينا
و بعضُ ملوكنا فُطِموا حديثاً=و بعضٌ لم يزالوا يَرضعونا
و بعضٌ عاصروا لبَداً وعاداً=فعادوا مُهترين مُخرِّفينا
سليمانيةٌ لهمُ حظوظٌ=فقد ماتوا وهاهم يَحكمونا
دعا إبليسُ، فانسحبت عليهم=فهم لا شك بعضُ المُنظَرينا
تعوّدنا نسير متى أرادوا=و نهذر في الشوارع: عائدونا
و ندري أنه كذبٌ، و لكن=إذا قلنا الحقيقة أعدمونا
و هذا الفيلم مذ خمسين عاماً=فما عُدنا ولا هم يحزنونا
لذا أعداؤنا هابوا حِمانا=و جُنّوا من مخافتنا جُنونا
فهم من خوفهم منّا تراهم=بلا وعي ٍ إلينا يزحفونا
و نحن تنجُّساً منهم هربنا=و هِمنا في الشتات مُشردينا
فصاروا هم أ ُلوا وطن ٍ ودار ٍ=و صرنا نحن عندهمُ بدونا
و أحرزنا كرامتنا اكتفاءً=ببعض مخيمات اللاّجئينا
و ما كنا بحمد الله بُكماً=و لكن قالةً ... متكلمينا
نطاعنهم بشجبٍ واحتجاج ٍ=إذا فتكوا بنا فتكاً مهينا
وإن غدروا بنا أو هاجمونا=خرجنا في الفضاء مندِّدينا
و نرفضُ ثم نرفضُ لا نُبالي=إذا ما جرّبوا أن يقصفونا
و كم يوماً تكاتفنا ألوفاً=و سرنا ضدهم متظاهرينا
و زلزلنا مضاجعهم بقصفٍ=عنيفٍ من هتافِ مُناضلينا
و ما هذا فقط، لا بل شجبنا=مَجازرهم، و قلنا مجرمونا
فضحناهم على الأشهاد، لكن=تبيّنَ أنهم لا يخجلونا
سَحقنا أنف أمريكا جهاراً=بهمّةِ قادةٍ متأمركينا
و كل الغرب إن طاروا وحَطّوا=فهم بإزائنا متخلفونا
سبقناهم بكل مجال سَبق ٍ=فنحن السابقون الأولونا
إذا جاءوا بإنجاز ٍ، أتينا=بأكبرَ منه، لا متكلفينا
إذا هم أطلقوا قمراً جديداً=إلى المريخ، أطلقنا الذقونا
و إن صنعوا صواريخاً، صنعنا=التماثيل الضخام لحاكمينا
وإن هم طوّروا يوماً سلاحاً=دعوناهم إلى التجريب فينا
وإن فخروا بحاضرهم، فخَرنا=بتلٍّ من عظام الميتينا
وإن نحن اشتهينا القتل يوماً=نجيء بهم لكيما يَقتلونا
فهم قومٌ – ولا أخفيكِ سِرّ اً، =لعمري – قاتلون مُهذّبونا
و ليسوا مثلنا جافين حمقى=و لكن يَقتلون و يأسفونا
لطياراتهم شأنٌ عجيبٌ =بها يُحيوننا و يُموِّتونا
فتُمطِرنا صواريخاً ثقالاً=و أكياساً مُمَلأةً طحينا
ولا إبليسُ يُحسِنُ مثل هذا=و مهما كان مَكّاراً لَعينا
فنحن الأسوياء بكل حال ٍ=و ليس الغرب أولاد اللذينا
و نحن الأقوياء، و دعكِ ممّا=تَرَينهُ من صفاتِ الجُبن ِ فينا
و نحن الأغنياءُ، وإن يكونوا=بملياراتنا يَتصرفونا
و نحن الأذكياء، و قد ضَحكنا =على النفَر اليهود المُفترينا
صَدَرنا عن فلسطين ٍ بـ فلسٍـ =و أعطينا بني صهيون , ـطينا
و هؤلاء نحن، وليس فخراً=بنا قرَّت عيون الشامتينا
لنا وجهانِ، وجهٌ عبقريٌّ=جَلَوتُ جماله للناظرينا
و وجهٌ لست أذكره، لأني =رَحِمتُ الشِّعرَ أن ينحَطّ دونا
... ***
اسكتي يا هذه، ما نحن إلاّ=ذبابٌ يَملأ الدنيا طنينا
حُدَيّا الناس إن وَجدوا – جميعاً =لنا شَبَهاً بجنس الآدَمينا.
¥