تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد تحدث قدامة في أكثر من موضع عن الشعر مبيناً حده، وتعريفه، ومحللاً أركانه لفظاً ومعنى، ومشيراً إلى طبيعته مادة وشكلاً0

يقول قدامة: "ومما يوجب تقدمته وتوسيده – قبل ما أريد أن أتكلم فيه- أن المعاني كلها معرضة للشاعر، وله أن يتكلم منها في ما أحب وآثر من غير أن يُحظر عليه معنى يروم الكلام فيه، وإذا كانت المعاني للشعر بمنزلة المادة الموضوعة والشعر فيها كالصورة كما يوجد في كل صناعة من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها: مثل الخشب للنجارة، والفضة للصياغة، وعلى الشاعر – إذا شرع في أي معنى كان من الرفعة والضعة، والرفث والنزاهة، والبزخ والقناعة، والمدح، وغير ذلك من المعاني الحميدة، أو الذميمة – أن يتوخى البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة" (26)

وهنا نجد أن قدامة بن جعفر يتقدم عن التصوير الجاحظي – وإنكان قد تأثر به - خطوة جديدة؛ فلقد كان كلامه أدخل في باب التصوير من رأي الجاحظ فيه؛ فقد جعل للشعر مادة، وهي المعاني، وصورة، وهي الصياغة اللفظية، والتجويد في الصناعة، "فلقد تناول قدامة مقومات الصورة في الشعر، ولم يكتف في هذا التناول بصحة اللفظ والتركيب، وسلامة الوزن، واتساق القافية مما يُعد أموراً جوهرية لبناء هيكل الشعر، بل وقف عند مسائل عرضية تُعد مظهر اقتدار الشاعر على الابتكار والإبداع" (27)

فالصورة – طبقاً لتحديد قدامة – " الوسيلة، أو السبيل لتشكيل المادة وصوغها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الصناعات، وهي – أيضاً – نقل حرفي للمادة الموضوعة، المعنى يحسنها ويظهرها حلية تؤكد براعة الصانع000" (28)

كما أن الشكل الذي أراده قدامة بن جعفر وعاءً لنظريته في نقد الشعر "لا ينفي فكرة المضمون في حد ذاتها، إذ لا قيمة للشكل مفرغاً من محتواه الفني، وقدامة نفسه قد أكد تأكيداً واضحاً خطر المعاني وقيمتها وعموميتها بالنسبة للشاعر، فكل ما في الحياة معان شعرية يعرض إليها الشاعر في شعره ما دام قادراً على إخراجها وتصويرها" (29)

وقد أوضح قدامة – في موضع آخر – أن معيار الجمال، ومقياس الجودة يرجع للشكل أكثر من المعنى، ويفصل الأشياء التي تعتمد عليها الصورة والمكونة لجزئياتها، فيقول: "وأحسن البلاغة الترصيع، والسجع، واتساق البناء، واعتدال الوزن، واشتقاق لفظ من لفظ، وعكس ما نظم من بناء، وتلخيص العبارة بألفاظ مستعارة، وإيرادها موفورة بالتمام000" (30)

ويعلق أحد الباحثين على آراء قدامة بقوله: "نستطيع أن نقرر أصالة قدامة بن جعفر في إدارته لمصطلح الصورة متحدثاً عن معاني الشعر وألفاظه" (31)


المراجع

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير