يوما أخذت قصة كنت قد كتبتها عن طفولتي، كان حلمي دفع الناس للبكاء. ذهبت إلى رئيس تحرير إحدى المجلات, متوقعا أنه سينشج في البكاء بينما يقَرأَ قصّتَي، لكن هذا الرجل عديم الفهم تملكه الضحك بصوت عالي و راح يمسح دموعه قائلا: برافو، رائع جداً، أكتبْ المزيد مثل هذه، واجلبْهم إلينا…
كانت هذه أولى نكسات الكتابة عندي، قرّائي يسخرون من أغلب المواضيع التي كَتبتها لإبْكائهم. لكني عندما أصبحتُ كاتب معروفاً، لم أعرف مكمن المرح في كتاباتي و لكني أستطيع القَول الآن أنني أَعْرفُ كيف أكون صانعاً للمرح. لم يكن هناك وصفةَ أَو صيغه جاهزة تفسر الأمر، لكن ما اكتشفته بنفسي أن المرح عمل جاد جداً.
في عام 1945 تظاهر ضدي عدّة آلاف من الرجعييّن و حطموا صحيفةَ تان حيث كنت أعمل، معتقدين بأني سوف أصبح عاطلا عن العملِ. فعلا بعدها لم يقبل أحد نشر أيّ كتابة تحمل أسمِي، لذلك شَرعتُ في الكتابة للصُحُفِ والمجلاتِ تحت أكثر مِنْ مائتي اسم مستعار. كَانتْ هذه الكتاباتَ تحمل كل أنواع الافتتاحيات والحكايات والتقارير والمقابلات والروايات والقصص البوليسية.
العديد مِنْ المفارقات والفوضى حدثت بسبب هذه الأسماء المستعارة. على سبيل المثال، نَشرتُ كتاب مناجاة الأطفال تحت اسمِ “ Oya Atesh” و هو اسم ابنتيِ التي كانت غافلة عن كتابة هذه المناجاة، المفارقة أنه قد تم إدراجها تقريبا في كل مدرسة ابتدائية في تركيا، إضافة إلى جريدة مساء التسالي. “ Oya Atesh “ أدرجَ اسمها كمؤلّفة في Bibliographie ضمنِ الكاتباتِ التركياتِ الذي تم نشره لاحقا ..
من المفارقات الأخرى تلك القصّةُ التي كتبتها وتمّ نشرها في مجلة تحت أسم فرنسي مستعارِ، أدرجت ضمن مختارات أدبية من المرح العالمي كمثال للأدب الساخر الفرنسي. واحده من قصصي الأخرى نشرتها باسم مبدع صيني, نشرتها مجلة على كونها ترجمة مِنْ الأدب الصيني.
أثناء هذا الوقت كنت لا أستطيع العمل ككاتب حر, رغم أن كتاباتي راحت لنقد العديد من أصحاب المهن و الوظائف مثل البقالِ والبائعِ والمحاسبِ وبائع الصحف المتجول و المصور و يبدو أني أخفقت كتاباتي عن هذه الشريحة من الناس، لأني سُجِنتُ خمس سَنَوات ونصف وستّة شهور، بسبب أن الملك فاروق عاهل مصر والشاه الإيراني رضا ادعيا بأنّني أهنتُهم عبر مقالاتي، بالتالي ومن خلال سفارتيهما بأنقرة جَلباني للمحكمةِ، وكانت النتيجة سجني ستّة شهر حيث كان لدي طفلان من زوجتي الأولى و طفلان من زوجتي الثانية أي أربعة أطفالِ.
أثناء سجني الأول عام 1946 كان السؤال المتكرر من قبل الشرطة لمدّة ستّة أيام:'’ مَنْ الكاتب الحقيقي لهذه المقالاتِ التي تنشر باسمِكِ؟ ”
حتى الشرطة لم يصدقوا أنني كاتب هذه المقالات. و لكن لم يستمر الشك طويلاً حيت اتهمتني الشرطة بعد سنتين بأنّني كَتبتُ مقالات أخرى بأسماء مستعارة.
في المرة الأولى حاولت إثْبات أنّني كتبت، وفي حال الثانيةَ بأنّني لَمْ أَكْتبْ. و بهذا شهد أحد الخبراء أنني كتبت مقالتي باسم مستعار لذا سجنتُ ستّة عشرَ شهرَ بسبب مقال لم أكتبه .. !
تزوجت زوجتي الأولى ومن ثم الثانية و مشيت تحت سيوف أصدقائي الضباط، وعزفت الأوركسترا موسيقى التانغو حيث تبادلت خواتم الزواج من زوجتِي الثانيةِ خلف قضبان السجن و بالطبع لم تكن البداية مشرقة أبداً.
كنت نحيفاً و ضعيفاً و لكن تكرار السجن جعلني ازداد وزناً.
في سنة 1956 فزت بالمرتبة الأولى في مسابقةِ المرحِ الدولية، ورَبحتُ النخلةَ الذهبيةَ. الصُحُفُ والمجلاتُ التي لا تَنْشرَ كتاباتَي بتوقيعِي قبل فوزي بالنخلةِ الذهبيةِ، بادروا للنشر باسمي و لكن هذا لَمْ يَدُمْ طويل.
حيث منعت الصحف نشر اسمي ثانية فاضطرت دخول المسابقةِ ثانيةً في عام 1957 لرِبْح نخلةِ ذهبية أخرى. بعد ذلك ظهر اسمِي ثانية في الصُحُفِ والمجلاتِ.
في عام 1966، في مسابقةِ المرح الدولية في بلغاريا، حققت المرتبة الأولى ورَبحت القنفذَ الذهبي.
أثناء الثورةِ السياسيةِ في تركيا في 27 مايو/ِ 1960، خلال بهجتِي تَبرّعتُ بنخلتي الذهبيةَ لخزينةِ الدولة. و بعد بضعة شهور من هذا الحدث رميتُ ثانيةً في السجنِ. أنقذتني النخلةَ الذهبيةَ الثانيةَ والقنفذَ الذهبي و جعلتاني متفائل بأيامِ سعيدة و مستقبل أفضل. كنت أقول لنفسي بأن الناس تحتاجني لكي أدهشهم وأضحكهم.
منذ ذلك الحين كَتبتُ أكثر مِنْ ألفي قصّة. لا تندهشوا حيث لا شيء يدعو للاستغراب، فأنا ملتزم بدعم عائلتي و أجد أني ملتزم بكِتابَة أكثر مِنْ أربعة آلاف قصّة .. !
أَنا في عمر ثلاثة وخمسين عاما، لَي ثلاثة وخمسون كِتابُ، و ديوني أربعون ألف ليرةُ, و لي أربعة أطفالِ وحفيدِ واحد. كتاباتي تُرجمتْ إلى ثلاث وعشرين لغةِ، كتاباتي المسرحية التي بلغت سبعة عشرَ مسرحيّة تم عرضها في سبعة بلدانِ.
السببان الوحيدان اللذان يجعلاني أَختفي عن الآخرين: إعيائي، والآخر تقدمي في العمر. و باستثناء هذين السببين أعتقد أني منفتح و مكشوف و قد أبدو شابا بالنسبة لعمري، لكني منهمكاً في العمل طيلة عمري، وهذا ما تبقى لي من العمر.
لَستُ ذلك النوع من الرجال الذي يقول: ” إذا ما كَانَ عِنْدَي الفرصةُ للمَجيء إلى هذا العالمِ ثانيةً، أن أقوم بنفس الأشياءِ ثانية من البداية ” و لكن لو كتب لي المجيء لهذا العالم ثانية فأني أريد أن أعمل أكثر بكثير الكثير مِنْ أولا وأفضل بكثيرِ كثير.
إذا كان في كامل تاريخِ البشريةِ الخلود لواحد فقطَ، قد أكون بلا مثل نموذجي يوجهني و يلهمني لذلك حاولت الخلود أيضاً، و هذا لَيسَ خطأَي فأنا سَأَمُوتُ كالآخرين.
أَحب الإنسانيةَ كثيراً و بإفراط شديد، و عشت حياتي كلها غير ناقم أو حاقد عليها، فأنا لا أَستطيعُ ذلك.
تلك قصتي التي لم تنتهي لحد الآن.
اعلم بأنّ القرّاء غالباً ما يضجرون من المقالاتِ الطويلة، لذا أعتقد بأن الاستنتاج لن يطول لمدة أطول و هو الشيء الذي يجعلني متشوّق لمعرفة نهايةَ هذه القصّة .. فربما أكُونَ ما أزال قادرا على التَعَلّم.
::. ترجمة: أوزجان يشار
¥