هذا العنوان غاية في التشابك والتعقيد، بل ربما كان من اخطر المسائل المطروحة على بساط البحث الفكري والفلسفي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في نهاية القرن.
بنية القصيدة:
تنقسم القصيدة إلى ثلاثة مقاطع بوساطة شبكة من الإشارات الملونة (الخضراء والصفراء والسوداء) وتحتل كل إشارة منها سطراً مستقلا معزولا عن بقية القصيدة، وتحتل هذه الشبكة ثلث حجم القصيدة مما يولد ثقل وطأة هذه الشبكة.
ان هذه الإشارات الملونة تستدعي إلى الذهن التحم الصارم بأية حركة تتم في اتجاه من الاتجاهات، وبما تمثل سطوة السلطة التي تعتبر أية مخالفة لأوامرها خروجا على القانون يستوجب المساءلة.
ولننبه إلى ألوان الإشارات في القصيدة فقد جاءت على الترتيب التالي " الخضراء ثم الصفراء ثم السوداء " وقد افتتح الشاعر القصيدة باللون الأخضر بما يعنيه من حرية الحركة والحيوية وهذا يعني ان العالم قبل النظام العالمي الجديد كان اكثر حياة رغم كال المنغصات والمآسي.
ان ترتيب الألوان في القصيدة جاء مغايرا لما يقوله أرباب النظام العالمي الجديد وبذلك فإن ترتيب الألوان وحده يحمل موقف الشاعر بكل صراحة ووضوح، ونجد عند القارئ توقع الترتيب (خضراء وصفراء وحمراء) إلا ان الشاعر كسر أفق التوقع عند الإشارة الثالثة فقال الإشارة " سوداء" مما يعني ان مسيرة النظام العالي لا بشكل طبيعي بل هي تتجه إلى نفق مظلم.
لقد غيب الشاعر اللون الأحمر وهو تغييب مقصود، وهو غائب حاضر ومن تداعياته الحرية ولذلك فان غيابه إشارة إلى غياب الحرية وهو ما سيؤول إليه العالم وغيابه يعني ان الشاعر عنده الرغبة الدفينة في الثورة على هذا النظام وقد جاء توظيفه في النص ليعطي مزيدا من الإشعاعات الإيحائية التي يتكامل بها
المعنى العام للنص الشعري.
والذي يمعن النظر في مقاطع القصيدة يرى ان كل مقطع معزول عن الآخر وكان القصيدة مقطعة الأوصال ذلك ان مساحة البياض بقدر سطر كامل وكأنه يرمز إلى المجتمع البشري الذي يعل النظام العالمي على تقطيع أوصاله.
المقطع الأول هو أطول المقاطع وأغناها بالصور وهو يستغرق أربعة اسطر في حين ان المقطع الثاني يتكون من سطر واحد وسطرين للمقطع الثالث وهذا يعني ان المقطع الأول يمثل المشهد الأكثر حياة، ومن البدهي ان الأكثر حياة لا يعني انعدام المنغصات فذلك مناقض لواقع الحال. ولذلك قال الشاعر ان الوقت منقبض ولكنه منقبض في الفضاء حيث ما زال سرب القطا ان يطير ويستشرف المستقبل رغم هذا الدم المالح الذي يذكر بملوحة الصدأ الذي يعتري الأجسام المعدنية.
وفي ذروة هذا الترقب المتوتر كتوتر السائقين أمام إشارة المرور الصفراء يأتي الوعد من النظام العالمي بالسلام ولكنه محمول على آلته العسكرية ولذلك ينزلق العالم المقطع الثالث تحت أقدام أرباب هذا العالم، إلا ان الشاعر في المقطع الثالث يستخدم تقنية جديدة هي تكرار فعل (مرّ) في مطلع كل من المقطعين، مما يعني ان فعل " مرّ" الثاني ملازم لفعل " مرّ " الأول وهو نتيجة طبيعية له.
حقول الدلالة
توزعت ألفاظ القصيدة في مجموعتين، الأولى غلب عليها الألفاظ التي توحي بالحياة والحرية والانطلاق (الفضاء – طار – سرب – القطا – رأى – أمم – البعيد) وهي التي حركت المقطع الأول. أما المجموعة الثانية فقد غلب عليها الألفاظ الخاصة بالخوف والقمع (المخبأ – الشاحنات – الحديد – جنود – حشوا – بنادق – طلقات) وهي التي ألقت بظلالها على المقطعين الثاني والثالث.
الإيقاع
تشيع تفعيلة (فاعلن) في القصيدة شعور الأسى الذي لف القصيدة بمجملها، وما ولدته القافية الممدودة في (الفضا، القطا) في المقطع الأول، من مشاعر الحنين والشجن ومن الإحساس بالامتداد وبالعمق، وكذلك ما تتركه القافية الساكنة الوحيدة في نهاية كل من المقطعين الثاني والثالث من تأثير يعزز اليقين بأن النظام العالمي الجديد يدفع العالم دفعا في اتجاه وحيد إلى الهاوية المحتمة.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[02 - 10 - 2007, 11:37 م]ـ
بوركت على هذا الموضوع المهم والذي نحن بأمس الحاجة اليه في طريق سيرنا لفهم فنون الشعر قديمه وحديثه ... جهد تشكر عليه أخي محمد.
ـ[ابن آدم]ــــــــ[04 - 10 - 2007, 04:46 م]ـ
بارك الله فيك أخي محمد سعد على هذا الموضوع الشائق