عفواً، فإني إن رثيتُ فإنّما =أرثي بفاتحة الرثاء رثائي
عفواً، فإني مَيِّتٌ يا أيُّها =الموتى، وناجي آخر الأحياء!
"ناجي العليُّ" لقد نجوتَ بقدرةٍ =من عارنا، وعلَوتَ للعلياءِ
إصعدْ، فموطنك السّماءُ، وخلِّنا =في الأرضِ، إن الأرضَ للجبناءِ
للمُوثِقينَ على الّرباطِ رباطَنا =والصانعينَ النصرَ في صنعاءِ
مِمّن يرصّونَ الصُّكوكَ بزحفهم =ويناضلونَ برايةٍ بيضاءِ
ويُسافِحونَ قضيّةً من صُلبهم =ويُصافحونَ عداوةَ الأعداءِ
ويخلِّفون هزيمةً، لم يعترفْ =أحدٌ بها .. من كثرة الآباءِ!
إصعَدْ فموطنك المُرّجَى مخفرٌ =متعددُ اللهجات والأزياءِ
للشرطة الخصيان، أو للشرطة =الثوار، أو للشرطة الأدباءِ
أهلِ الكروشِ القابضين على القروشِ =من العروشِ لقتل كلِّ فدائي
الهاربين من الخنادق والبنادق =للفنادق في حِمى العُملاءِ
القافزين من اليسار إلى اليمين =إلى اليسار كقفزة الحِرباءِ
المعلنين من القصورِ قصورَنا =واللاقطين عطيّةَ اللقطاءِ
إصعدْ، فهذي الأرض بيتُ دعارةٍ =فيها البقاءُ معلّقٌ ببغاءِ
مَنْ لم يمُت بالسيفِ مات بطلقةٍ =من عاش فينا عيشة الشرفاء
ماذا يضيرك أن تُفارقَ أمّةً =ليست سوى خطأ من الأخطاءِ
رملٌ تداخلَ بعضُهُ في بعضِهِ =حتى غدا كالصخرة الصمّاءِ
لا الريحُ ترفعُها إلى الأعلى =ولا النيران تمنعها من الإغفاءِ
فمدامعٌ تبكيك لو هي أنصفتْ =لرثتْ صحافةَ أهلها الأُجراءِ
تلك التي فتحَتْ لنَعيِكَ صدرَها =وتفنّنت بروائعِ الإنشاءِ
لكنَها لم تمتلِكْ شرفاً لكي =ترضى بنشْرِ رسومك العذراءِ
ونعتك من قبل الممات، وأغلقت =بابَ الرّجاءِ بأوجُهِ القُرّاءِ
وجوامعٌ صلّت عليك لو انّها =صدقت، لقرّبتِ الجهادَ النائي
ولأعْلَنَتْ باسم الشريعة كُفرَها =بشرائع الأمراءِ والرؤساءِ
ولساءلتهم: أيُّهمْ قد جاءَ =مُنتخَباً لنا بإرادة البُسطاء؟
ولساءلتهم: كيف قد بلغوا الغِنى =وبلادُنا تكتظُّ بالفقراء؟
ولمنْ يَرصُّونَ السلاحَ، وحربُهمْ =حبٌ، وهم في خدمة الأعداءِ؟
وبأيِّ أرضٍ يحكمونَ، وأرضُنا =لم يتركوا منها سوى الأسماءِ؟
وبأيِّ شعبٍ يحكمونَ، وشعبُنا =متشعِّبٌ بالقتل والإقصاءِ
يحيا غريبَ الدارِ في أوطانهِ =ومُطارَداً بمواطنِ الغُرباء؟
لكنّما يبقى الكلامُ مُحرّراً =إنْ دارَ فوقَ الألسنِ الخرساءِ
ويظلُّ إطلاقُ العويلِ محلّلاً =ما لم يمُسَّ بحرمة الخلفاءِ
ويظلُّ ذِكْرُكَ في الصحيفةِ جائزاً =ما دام وسْطَ مساحةٍ سوداءِ
ويظلُّ رأسكَ عالياً ما دمتَ =فوق النعشِ محمولاً إلى الغبراءِ
وتظلُّ تحت "الزّفتِ" كلُّ طباعنا =ما دامَ هذا النفطُ في الصحراءِ!
القاتلُ المأجورُ وجهٌ أسودٌ =يُخفي مئاتِ الأوجه الصفراءِ
هي أوجهٌ أعجازُها منها استحتْ =والخِزْيُ غطَاها على استحياءِ
لمثقفٍ أوراقُه رزمُ الصكوكِ =وحِبْرُهُ فيها دمُ الشهداء
ولكاتبٍ أقلامُهُ مشدودةٌ =بحبال صوت جلالةِ الأمراء
ولناقدٍ "بالنقدِ" يذبحُ ربَّهُ =ويبايعُ الشيطانَ بالإفتاءِ
ولشاعرٍ يكتظُّ من عَسَلِ النعيمِ =على حسابِ مَرارةِ البؤساءِ
ويَجرُّ عِصمتَه لأبواب الخَنا =ملفوفةً بقصيدةٍ عصماءِ!
ولثائرٍ يرنو إلى الحريّةِ =الحمراءِ عبرَ الليلةِ الحمراءِ
ويعومُ في "عَرَقِ" النضالِ ويحتسي =أنخابَهُ في صحَة الأشلاءِ
ويكُفُّ عن ضغط الزِّنادِ مخافةً =من عجز إصبعه لدى "الإمضاءِ"!
ولحاكمٍ إن دقَّ نورُ الوعْي =ظُلْمَتَهُ، شكا من شدَّةِ الضوضاءِ
وَسِعَتْ أساطيلَ الغُزاةِ بلادُهُ =لكنَها ضاقتْ على الآراءِ
ونفاكَ وَهْوَ مُخَمِّنٌ أنَّ الرَدى =بك مُحْدقُ، فالنفيُ كالإفناءِ!
الكلُّ مشتركٌ بقتلِكَ، إنّما =نابت يَدُ الجاني عن الشُّركاءِ
ناجي. تحجّرتِ الدموعُ بمحجري =وحشا نزيفُ النارِ لي أحشائي
لمّا هويْتَ هَويتَ مُتَّحدَ الهوى =وهويْتُ فيك موزَّعَ الأهواءِ
لم أبكِ، لم أصمتْ، ولم أنهضْ =ولم أرقدْ، وكلّي تاهَ في أجزائي
ففجيعتي بك أنني .. تحت الثرى =روحي، ومن فوقِ الثرى أعضائي
أنا يا أنا بك ميتٌ حيٌّ =ومحترقٌ أعدُّ النارَ للإطفاءِ
برّأتُ من ذنْبِ الرِّثاء قريحتي =وعصمتُ شيطاني عن الإيحاءِ
وحلفتُ ألا أبتديك مودِّعاً =حتى أهيِّئَ موعداً للقاءِ
سأبدّلُ القلمَ الرقيقَ بخنجرٍ =والأُغنياتِ بطعنَةٍ نجلاءِ
¥