للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصلاة والسلام في نوع من الحسم ليفصم عرى هذا الحرص ويقطع رجاء رسوله في هؤلاء المتعنتين وبيانه: أنه لا أمل في إيمانهم لأن الإيمان إنما يتعلق بمشيئة الله تعالى وإرادته ولو شاء الله هدايتهم لهداهم أجمعين - فقال (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥)). أي أنك قد استنفدت كل طرائق موجبات دلائل الإيمان وآتيتهم من الآيات ما فية الغنية عن طلب المزيد وتحقق لهم أنك صادق فيما جئتهم به من عند ربك ومع ذلك لم يؤمنوا مكابرة وإعناتاً واستهزاء ولم يبق إلا أن تأتيهم بالمستحيلات وما ليس فِي استطاعتك الإتيان به فقد شق عليك إعراضهم وعظم عليك صدودهم عن الإيمان وبلغ بك الحرص على إيمانهم إلى أن لو استطعت أن تدخل سرباً في الأرض أو ترقى سلماً في السماء فتأتيهم بما اقترحوا من الآيات توصلاً إلى إيمانهم وتطلعاً إلى نجاتهم من عذاب الله بدخولهم حظيرة الإيمان لفعلت ذلك.

ولكنهم بما طبعوا عليه من سوء الاستعداد لقبول الإيمان لن يؤمنوا ولو فعلت معهم ما تستطيع وما لا تستطيع، فتخفف من الحزن عليهم إذ لو شاء الله هدايتهم واستقامتهم على الدين لوفقهم لذلك بلطفه ورحمته ولكنه لم يشأ لهم ذلك بعدله وسابق علمه بحالهم فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، ولا تكن في رجائك إيمانهم -بعد ما تضافرت لك البراهين على عتوهم وإصرارهم على الكفر- ممن يغفل عن واقعهم ويطمع في إيمانهم لأن هذا شأن الجاهلين الذين ينساقون مع عواطف الرحمة والشفقة فيطمعون في غير مطمع، وهذا ليس من شأنك ولا مما يتعلق برسالتك.

<<  <   >  >>