تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمن زاوية النظر الأولى، يتعامل التفسير مع الألفاظ – كلمات كانت أو عبارات- التي يلفها الغموض، ويحول دون فهمها الكامل الدقيق، وتتمثل مهمته في الوصول إلى الفهم التام، من خلال التوسل بجملة من القواعد التي تعين على إجلاء غوامض النص. ويمكن أن نلمس حضور هذه النظرة، في مجموعة من التعريفات، التي تلتقي في اشتراط خفاء المعنى، واعتبار الإيضاح الذي يأتي بعده، هو الذي يصدق عليه اسم التفسير. ومن ذلك ما أورده أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية من أن "التفسير إما أن يستعمل في غريب الألفاظ، نحو البحيرة والسائبة والوصيلة، أو في وجيز يتبين بشرح نحو: ?وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة? (المزمل:20)، أو في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها كقوله تعالى: ?إنما النسيء زيادة في الكفر? (التوبة:37) " فجعل التفسير مشتملا على إيضاح الغريب، وتفصيل المجمل، وبيان مناسبات الآيات وقصصها، التي لا يمكن إدراك المعنى بمعزل عنها.

أما الزركشي فقد عدّ التفسير وثيق الصلة بالكشف والإظهار، وبيّن أنه يدل في الأصل على "كشف المغلق من المراد بلفظه وإطلاق للمحتبس عن الفهم به." وبذلك يكون من فسّر آية، فكأنما أطلق معناها السجين في ألفاظها ليصير إلى السامع. ويفيد هذا الكلام أن التفسير يشتغل على كل ما أشكل فهمه من ألفاظ، وهو ما عبر عنه الزركشي بالمغلق والمحتبس عن الفهم، ويروم رفع ما به من خلال الكشف عن المعنى وإظهاره. وذهب أبو البقاء الكفوي المذهب نفسه في بعض التعريفات التي ساقها في الكليات؛ إذ قال: "التفسير: الاستبانة والكشف والعبارة عن الشيء بلفظ أسهل وأيسر من لفظ الأصل." وقال أيضا: "التفسير هو أن يكون في الكلام لبس وخفاء، فيؤتي بما يزيله ويفسره." فبحسب التعريف الأول، يكون الأصل المراد تفسيره صعباً ممتنعاً، ومستعصياً عن الفهم، ويؤتى بالتفسير بغرض التسهيل والتبسيط وتيسير الفهم. ولا يخرج التعريف الثاني عن هذا الإطار؛ إذ صرح باختصاص التفسير واتجاهه إلى الكلام الخفي والملتبس دون غيره، ثم أوكل إليه مهمة بيان ذلك الكلام ورفع اللبس والخفاء عنه.

وإلى جانب هذا الاتجاه، يوجد اتجاه آخر، لا يحصر التفسير في رفعِ ما يلحق الكلام، من إشكال وتفصيلِ ما يطاله من إجمال، إنما يوسع دائرته، لتشمل كل إخراج من مقام الخفاء إلى مقام التجلي، سواء تعلق الخفاء بالنص، أو تولد عن عنصر خارجي؛ كأن يتخذ شكل إشكال، يود المفسّر علاجه من خلال القرآن الكريم، أو يتخذ شكل قضية، يروم استجماع عنصرها منه، والكشف عن صورتها فيه. ومن هذا المنطلق تكون مهمة التفسير هي بيان معاني القرآن، بغض النظر عن ظهورها أو خفائها في ذاتها. وممن نحا هذا المنحى من المتقدمين، الأصبهاني حين قال: "اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن، وبيان المراد أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره." فهو انطلق مما هو معروف ومتداول بين العلماء، من دلالة التفسير على كشف المعاني، وأصَّل لتوسيع المفهوم وتعميمه على نحو يشمل كل بيان للمراد، سواء كان خفيا أم لا. وبهذا الموجب، لا يتجه الكشف إلى الألفاظ المشكلة وغيرها، مما هو على شاكلتها فحسب، وإنما يتناول اللفظ في سائر أحواله. وبذلك، يصير التفسير دالا على مطلق إيصال المعنى المراد إلى المتلقي. ويقدم الطاهر بن عاشور تعريفاً للتفسير، يصب في هذا السياق أيضاً يقول فيه: "التفسير ( ... ) اسم للعِلْم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن، وما يستفاد منها باختصار أو توسع. ( ... ) وموضوع التفسير: ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه، وما يستنبط منه ( ... ) [فهو] تفسير ألفاظ أو استنباط معان. فأما تفسير الألفاظ فهو من قبيل التعريف اللفظي، وأما الاستنباط فمن دلالة الالتزام." ويتضمن هذا التعريف ثلاث إشارات تدل على توسيع مفهوم التفسير:

- الإشارة الأولى: أن التفسير بيان لمعاني ألفاظ القرآن الكريم على الإطلاق؛ إذ عدم تقييد الألفاظ القرآنية بوصف من الأوصاف، يجعلها شاملة تتناول القرآن الكريم برمته، مما يفيد أن التفسير يسع اللفظ المشكل وغيره من جهة، وأنه من جهة أخرى يهتم بالمعاني وكيفية دلالة الألفاظ عليها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير