التباس. ثُمَّ كان لظهور البدع والأهواء في أواخر عهد الصحابة فما بعدهم أثرٌ بارزٌ في ظهور الرأي الفاسد في التفسير.
ثالث عشر: بَيَّن البحث المراد بمدارس التفسير عند من استعمله من الباحثين, وحَدَّد أمصارها, وأعلامها من الصحابة والتابعين. وقد احتوت استدراكات السلف في التفسير عِدَّةَ نماذجَ من استدراكات أصحابِ كُلِّ مدرسةٍ على غيرها من المدارس, وهذه الجُملة الوافرة من الاستدراكات أوضحت بعض المسائل في هذا الجانب, وهي باختصار:
1 - لا أثر في الاستدراكات يشير إلى وجود هذه المدارس أو تَمَايُزها, لا من جهة الإشارة إلى بلد المفسِّر, ولا من جهة الإشارة إلى شيوخه.
2 - لا أثرَ أيضاً لتنوُّع المدارس على وجود الاستدراكات, أو قِلَّتها وكثرتِها, بل احتوت الاستدراكات نماذِجَ عديدةً من استدراكات أصحاب المدرسة الواحدة على بعضهم.
3 - أن الاختلاف بين مدارس التفسير إمَّا أن يكون أصليَّاً جوهريَّاً, وهذا غير موجود بينهم, بل أثبت البحث اتفاق أصولهم واتحاد منهجهم. وإمَّا أن يكون فرعيَّاً ثانويَّاً وهذا موجود داخل المدرسة الواحدة من هذه المدارس, وعلى كِلا المعنيين لا يَصِحُّ إطلاقُ هذا المصطلح على تراجمةِ القرآن وأمصارهم؛ لعدم مطابقته للواقع.
رابع عشر: أكَّدت جمهرةُ الاستدراكات اتِّحادَ منهج وأصول التفسير عند السلف بجميع طبقاتهم, وهذا من أظهر نتائج دراسة الاستدراكات في الباب الأول, فجميعُ مفسري السلف معتمدون في تفاسيرهم على القرآن, والسنة, ولسان العرب, وأسباب النُّزول, وقصص الآي, ونحوها ممَّا يلزمُ للتفسير, , لا يخرجون عن ذلك, ولا يختلفون عليه, وتفاوُتُ علماءِ السلف في الإلمام بهذه الجوانب على الكمال, لا يعني اختلاف مناهجهم وتعدد مدارسهم.
خامس عشر: تَجَلَّت في هذا الموضوع صورٌ مشرقةٌ من أدب الخلاف بين السلف, وحُسن البيان في الاعتراض, كما أوَضَّح البحث أسباب الإغلاظ في الرَدِّ أحياناً, وتخريجه وتوجيهه, وقد احتوى في أثناء ذلك الخلاف على نماذج رائعة للرجوع إلى الحق عند ظهوره كما هو دأب القوم رحمهم الله تعالى.
هذه أبرز نتائج الدراسة, وقد اشتملت إلى ذلك على عدد من المسائل العلمية التي تحتاج إلى مزيد بيانٍ وقصدٍ بالجمع والتحقيق, إلى جانب بعض التوصيات الهادفة إلى رفع مستوى التأصيل والإيضاح لجُملَةٍ من علوم التفسير والقرآن, وأُجمِلُ جميع ذلك فيما يأتي:
أولاً: توجيه الباحثين إلى تمييز طرائق السلف ومناهجهم في هذا العلم, ومن ثَمَّ إفراد هذه الطرائق بالجمع والدراسة, واستخلاص أصول وشواهد علوم التفسير المتنوعة من هذا المجموع بعد ذلك, على سَنَن دراسة استدراكاتهم في التفسير.
ثانياً: الدعوة إلى جمع مرويَّات التفسير وعلومه من جميع كتب الإسلام المسندة في كافَّة العلوم, لتكون مورداً أصيلاً لكلِّ دراسةٍ احتاجت إلى مطالعة تلك المرويَّات والصدور عنها. فقد رأيت أثناء جمعي لروايات الاستدراكات من كتب التفسير والسنة, أن ثَمَّةَ جُملَةً وافِرَةً من المرويات التفسيرية في غير هذه الكتب, وأخُصُّ من ذلك كتب اللغة والأدب, والوعظ والرقائق.
وهذا مشروع جليل ضخم, يحتاج إلى جهاتٍ إشرافية وتنفيذيَّة على قدرٍ عالٍ من الكفاءة والتحقق في هذا العلم.
ثالثاً: تكرر في تفسير السلف: «التفسير على الإشارة والقياس» , وهذا النوع من التفسير يحتاج إلى دراسةٍ وافيةٍ تُبَيِّنه, وتحدد مجاله, ومنْزلته من التفسير, وتطبيقاته عند السلف, ونحو ذلك ممَّا يزيده جلاءً وبياناً؛ لشِدَّة الحاجة إلى تحريره وتأصيله من خلال تفاسير السلف على الخصوص.
رابعاً: وجوب العناية بتقريب معاني الآيات, وتسهيلها للناس بكلِّ سبيل مباحٍ مُتاح, كما كانت عادَة السلف في ذلك, من نحو التفسير على المعنى, والإجمال والاختصار, وضرب الأمثال من واقع الناس, وربط الحوادث المستجدَّة لديهم بمعاني صحيحة من آيات القرآن.
خامساً: يلزم العناية بآثار السلف في الإشارة إلى أسباب الخطأِ في التفسير, والصدور عنها في رّدِّ كُلِّ انحراف وخطأٍ يحصل في تفاسير من بعدهم في كُلِّ زمان ومكان.
سادساً: أهمية جمع الإسرائيليات الواردة عن الصحابة على وجه الخصوص, ثُمَّ دراستها دراسةً نقديَّةً مُقارنَة, تكشف عن منهجهم فيها, وتؤَصِّل لمن بعدهم هدياً قَصَداً لا إفراط فيه ولا تفريط.
هذا ما تيسر جمعه والدلالة عليه, وبالله تعالى التوفيق, وأسأله تعالى حُسنَ القبول, وحُسنَ الخِتام, وآخرُ دعوايَ أن الحمد لله ربِّ العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ـ[عذب الشجن]ــــــــ[29 Jan 2009, 07:00 م]ـ
أتمنى أن تكون قد جليت معنى الاستدراك، وهل هو يفترق عن التعقبات، وعن النقد التفسيري، وهل هي مصطلحات متباينة، أم تلتقي في معنى واحد وكل سماه بما يظنه أدل على المراد؟ ..............
وهناك كثير من التساؤلا ت ينتظر بها حتى يخرج الكتاب لعل فيه الإجابات الشافية.
¥