وقد عاش الحافظ عثمان ألمع مراحله الفنية في الفترة الواقعة بين أعوام 1009 هجرية و1110 هجرية.
وفي هذه الفترة الزمنية خط لنا أكثر من أربعين مصحفاً.
توفي الحافظ عثمان سنة 1110 في اسطنبول.
ومن الذين أجادوا في نسخ المصاحف من الأتراك العثمانيين: الخطاط إسماعيل زهدي.
وتحتفظ مكتبة سراي طوبقابي بنسخة جميلة من مصحف بخط نسخي بهيج.
وهذه النسخة من القرآن العظيم نموذج رائع على تطور خط النسخ بعد الحافظ عثمان، وتعود لسنة 1218 هجرية.
وقد أعطى الزهري في كتابتها قلمه حقه كاملاً في الدقة والغلظة، وهذا ما يمكن أن ندركه في استرسال الحروف، كما نلاحظ في هذا المصحف أن الأجزاء والإشارة إليها قد كتبت في رأس الصفحة، وليس على الجوانب.
ونشاهد ونقرأ من الجزء الرابع من سورة آل عمران:
? لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) ? [آل عمران: 92: 94]، وهكذا إلى نهاية الآيات.
إن آلاف المصاحف التي خطها خطاطو الدولة العثمانية بخط النسخ رسخت قواعد هذا الخط وجعلته مع العادة والمران خط القراءة السهل الذي يقبل شكل جميع الحركات، من فتحة وضمة وكسرة وتنوين وغير ذلك من شئون قواعد التجويد في الابتداء والوقف.
واكتمل النسخ على يد الحافظ عثمان وتطور على يد إسماعيل زهدي وأخيه راقم، ثم اتخذت قواعده في الكتب العادية ليكون الخط الأرفع الذي تكتب وتدار به شئون الدولة والعلم.
لقد ولد خط النسخ مع رسائل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتطور في أحضان القرآن العظيم منذ زمن بني العباس وأشرقت ألفاته على صفحاته القرآن العظيم زمن الأيوبيين في بلاد الشام ومصر، وتفرد وأصحب الآسر زمن العثمانيين ورافق كتابة المصحف العظيم.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 08:37 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (19)
منذ أن نسخ القرآن العظيم على الرق، وعلى الورق كانت الحاجة إلى التغليف حفظاً لصفحات القرآن العظيم من التلف والضياع، واختلاط الصفحات مع بعضها.
والتجليد هو أسبق الفنون التي ولدت في أحضان القرآن العظيم وأولها ظهوراً، وقد مر معنا من قبل أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- هو أول من جمع القرآن العظيم وربطه بخيط.
ومعنى هذا أن بذور الصناعة التجليد العربية وجدت منذ عهد أبي بكر -رضي الله عنه- وأن المصحف أو القرآن العظيم هو أول كتاب عربي مخطوط جلد بما تعنيه هذه الكلمة.
والتجليد مشتق من الجلد، ولم تكن الجلود قد استعملت في التغليف بعد، ولذلك عنينا بما تعنيه هذه الكلمة بمفهومها الواسع.
وكان التجليد أو طريقة الحفظ من قبل هي أن يوضع المخطوط بين لوحين من الخشب مثقوبين في مكانين متباعدين من ناحية القاعدة، ويمر بكل ثقب منهما خليط من ليف النخيل، وتثقب الأوراق وتعقد، وقد أخذ العرب هذه الطريقة البدائية عن الأحباش، وما زالت بعض المكتبات تحتفظ لنا بمخطوطات عربية وحبشية قديمة مجلدة بنفس الطريقة.
يقول القلقشندي في صبح الأعشى: وسمي المصحف مصحفاً لجمعه الصحف، والسبب في انفراد المصحف بهذا الشكل هو أن القرآن العظيم كان أول نص عربي قديم طويل يكتب، فلم تكن الكتابات قبل القرآن وحتى بعد نزوله بقرن أو أكثر سوى تآليف صغيرة على شكل رسائل يسهل طيها على هيئة لفافة أو درج.
والقرآن العظيم يحتاج في كتابته إلى عدد ضخم من اللفائف والدروج، خاصة كما شاهدنا في مصاحف القرون الأولى الكلمات وهي تكتب متباعدة وبحروف كبيرة، ففي الصفحات الواحدة لا تتجاوز الكلمات عن العشر، ولم تكن تجزئة القرآن العظيم مأمونة العواقب، فقد تختلط اللفائف، ويضطرب النص القرآني، ولذلك كان ظهور التجليد ضرورةً لحفظ نص القرآن العظيم.
ثم عممت الدفاتر بعد ذلك في سائر الكتابات التي تعالج شئون الحياة.
¥