تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هنا ندرك وصف الله تعالى لرسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأنه سراج منير، قال تعالى: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} [الأحزاب: 46] لأنه يُستضاء به في ظلم الضلالة، كما يستضاء بالمصباح في الظلمة. يقول ابن كثير: (وَسِرَاجاً مُّنِيراً) أي: وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحقّ كالشمس في إشراقها وإضاءتها، لا يجحدها إلا معاند.

ولذلك أجاز الفراء أن يكون قوله تعالى (سراجاً منيراً) نصباً على معنى وتالياً سراجاً منيراً، وعليهما السراج المنير: القرآن. وقال الزمخشري: ويجوز على هذا التفسير أن يُعطف على كاف (أَرْسَلْنَـ?كَ)، على معنى أرسلناك والقرآن إما على سبيل التبعية وإما من باب متقلداً سيفاً ورمحاً. وهذا ما بيّنه الرازي أيضاً في تفسيره للسراج.

فالقرآن الكريم والكتب السماوية هي (أسرجة) لأنها مصدر الضياء .. وأما ما يُقتبس منها فيكون نوراً يهدي الله به مَن يشاء مِن الناس.

والذي أريد توضيحه هو أن خطاب الله تعالى للرسل والأنبياء يختلف عن خطابه الموجّه للناس. فإنزال الكتب على الأنبياء يكون (ضياء) بذاته، أما ما يتبعه الناس من هذه الكتب ويهتدون به، فهو (نور). قال تعالى: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ} [الأنعام: 91]. وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44]. وقال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 46]. وقال تعالى: {آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: 157].

ولذلك نجد أن القرآن الكريم يصف ما أوتيه الأنبياء من الكتب بأنه منير، قال تعالى: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [آل عمران: 184]. وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} [الحج: 8]. وقال تعالى: {جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [فاطر: 35].

أما ما يؤتى الناس فهو (نور)، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء: 174]. وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة: 15 - 16]. وقال تعالى: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد: 28]. وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} [التغابن: 8].

ومن هنا يمكننا القول بأن وجود مضمر محذوف في الآية تقديره (جعلنا)، فهذا قول يأباه السياق، ولا يستقيم مع معنى كلمة (ضياء)، لأنها بهذا التقدير تكون موجّهة للمتّقين، ولو أنه قال (نوراً) لكان ممكناً البتّ فيها. وكذلك استدلالك بقوله تعالى: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [الإسراء: 2]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [السجدة: 23] لا يستقيم أيضاًً مع معنى كلمة ضياء، ولا يمكن للقرآن أن يقول (وجعلناه ضياءً لبني إسرائيل) أو (وجعلناه ضياءً وذكراً للمتقين) للأسباب التي ذكرتها أعلاه!

والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير