هذا هو التنوين وقد انتهينا منه. فيه كلام طويل في التنوين لا نتعرض له من حيث أن
بعضهم زاد في التنوين، سمَّى واحدًا منهما بتنوين الترنم، وسمَّى الثاني بالتنوين
الغالي، وكلا هذين التنوين ليسا مما يخص الأسماء، ولذلك تدخل على الأفعال وتدخل على
الحروف، فلا نتحدث عنها لأنها ليست داخلةً معنا.
أما دخول الألف واللام، فمتى ما وجدت الكلمة يا أخي مُقترنةً بـ"الـ" سواءٌ كانت
هذه "الـ" جنسية أو عهدية أو موصولية أو غيرها فاعلم أن هذه الكلمة التي دخلت عليها
اسم، كـ "الرجل"، قال الله عزّ وجلّ ? كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ ? [هود: 24]، و?
وَالْفَجْرِ ?1? وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? [الفجر: 1، 2]، وما شاكل ذلك. هذه كلها
دخلت عليها "الـ" فهذا دليلٌ على أن الكلمة التي دخلت عليها "الـ" اسمٌ وليست فعلا
ولا حرفًا.
قال الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضي حكومته ولا الأصيل ذي الرأي والجدل
دخلت "الـ" هنا على كلمة "تُرضى"، مع أن كلمة "تُرضى"، فماذا يُقال عنه؟ قال يُكتفى
بهذا الشاهد، وهي أولا لا تدخل على فعل ماض، ودخلت على الفعل المضارع لمشابهته لاسم
الفاعل، فدخولها هنا خاصٌ بالشعر، ثم إنه لا يأتي في النثر أبدًا، لا يأتي إلا في
ضرورة الشعر، ويُحفظ ولا يُقاس عليه، وقد ورد له عدة شواهد كلها داخلة على الفعل
المضارع، ولكننا نقول يُكتفى بما ورد.
أما النداء فقد انتهيت منه قبل قليل، وهو دخول حرف النداء على الكلمة، وليس مجرد
دخوله دليلا على أن الكلمة اسم، ومنه كما ذكرتُ لكم قبل قليلٌ قول الله عزّ وجلّ ?
قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ? [يس: 26].
بقي مما ذكر ابن مالك الإسناد إلى الاسم، وهذا في الحقيقة علامة جيدة، لأن بعض الأسماء لم تُعرف اسميتها إلا بهذه العلامة، ولا يصح لها شيءٌ من العلامات الأخرى وهي الضمائر، الضمائر ليس عندنا دليلٌ على أنها أسماء إلا بهذه العلامة وهي
الإسناد.
أولا: ما معنى الإسناد، الإسناد في اللغة هي الإمالة، تقول "أسندت الخشبة إلى
الجدار" بمعنى "أملتها إليه"، هذا في اللغة، لكن الإسناد في اصطلاح النحويين هو
الحديث عن الشيء، أو نسبة شيءٍ إليه، فأنت إذا قلت "قمتُ" فقد أسندت القيام إليك،
أي نسبته إليك، التاء هذه ظاهرها أنها حرف لأنها مكونة من كلمةٍ واحدة، فليس عندنا
دليلٌ على اسميتها إلا هذا الإسناد وهو الحديث عنه.
"أنت مخلصٌ"، ليس عندنا أيضًا دليلٌ على أن "أنت" اسم إلا بالإسناد إليه، لماذا؟
لأننا نقول الضمير لا يصلح لدخول حرف الجر، ولا يصلح للتنوين، ولا يصلح للنداء، ولا
يُنادى إلا شاذًّا وفي الشعر خاصةً، لا يُنادى الضمير إلا شذوذًا، ومنه قول الشاعر:
يا أبجر بن أبجر يا أنتَ أنت الذي طلقت عام جُعْتَ
الشاهد دخول حرف النداء على الضمير، والشاهد أيضًا أن الضمائر لا يصلح لها شيءٌ من
العلامات الأخرى، لا يصلح لها نداء، ولا تظهر عليها علامات الخفض حتى نقول إنه
مخفوض، ولا يصلح للتنوين، ولا تدخل عليه "الـ"، فلا يبقى له إلا هذه العلامة
الوحيدة وهي الإسناد كما ذكر بن مالك رحمه الله، مع أن مصنفنا رحمه الله اكتفى بهذه
العلامات الثلاث، وهي أبرز العلامات في الحقيقة.
بعد هذا نتحدث عن بعض كلام المصنف رحمه الله وهو قوله (وحروف الخفض وهي: من وإلى
وعن وعلى وفي ورب والكاف واللام وحروف القسم وهي: الواو والباء والتاء).
هو لا يزال يتحدث عن علامات الأسماء، واستطرد فذكر لنا حروف الخفض أو حروف الجر،
ابن مالك ذكر حروف الجر فعدها عشرين حرفًا، اشترك معه ابن آجروم في معظم هذه
الحروف، نذكر لكم أبيات من مالك في ألفيته، قال:
هاك حروف الجر وهي من إلى حتى خلا حاشا عدا في عن على
مُذ منذ رُب اللام كي واو وتا والكاف والباء ولعل ومتى
هذه عشرون حرفًا، وبعض هذه الحروف في الحقيقة لا يُستعمل حرف جر إلا أحيانًا عند
بعض القبائل، وأحيانًا شاذًّا، ومن هذه الحروف التي تُستعمل قليلا جدًا حروف جر
"لعل" و"متى"، فالأصل في "لعل" أنها للترجي، وليست حرف جر، ولكن ورد منه في بعض
لغات العرب قول الشاعر:
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة لعل أبي المغوار منك قريب
فـ"أبي" هنا جاءت مجرورةً ب"لعل"، وهذا قليلٌ جدًّا، ويختص بلغات بعض العرب. أيضًا
"متى" لا تُستعمل إلا عند بعض العرب أيضًا، وهي بعض القبائل، ولعلها عُقيل أو
¥