للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما [٧٠ / و] السن الذي إذا بلغه المحدِّثُ انبغى له الإمساكُ عن التحديث؛ فهو (١) السنُّ الذي يُخشَى عليه فيه من الهرَم والخرَفِ، ويُخاف عليه فيه أن يُخَلِّط ويرويَ ما ليس من حديثه. والناسُ في بلوغ هذا السنِّ يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم. وهكذا إذا عَمِيَ خاف أن يُدخَل عليه ما ليس من حديثه، فليُمسِكْ عن الرواية.

وقال " ابن خلاد ": " أعجبُ إليَّ إن يمسكَ في الثمانينَ؛ أنه حَدُّ الهرم، فإن كان عقلهُ ثابتًا ورأيُهُ مجتمعًا يُعرفُ حديثَه ويقوم به، وتحرَّى أن يُحدِّثَ احتسابًا؛ رجوت له خيرًا " (٢).

ووَجْهُ ما قاله، أن من بلغ الثمانينَ ضعُفَ حالُه في الغالب، وخيف عليه الاختلالُ والإخلالُ، وألا يُفطَنَ له إلا بعد أن يخلط، كما اتفق لغير واحد من الثقات، منهم: " عبدالرزاق، وسعيد بن أبي عروبة (٣) " وقد حدَّث خلقٌ بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة، منهم: " أنسُ بن مالك، وسهل بن سعد وعبدالله بن أبي أوفى " من الصحابة، و " مالك، والليث، وابن عيينة، وعلي بن الجعد " في عدد جَمٍّ من المتقدمين والمتأخرين، وفيهم غيرُ واحد حدثوا بعد استيفاء مائةِ سنة، منهم: " الحسنُ بن عرفة، وأبو القاسم البغوي، وأبو إسحاق الهُجَيمي، والقاضي أبو الطيب الطبري " (٤) - رضي الله عنهم أجمعين -. والله أعلم.

ثم إنه لا ينبغي للمُحدِّث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك. وكان " إبراهيم، والشعبي " إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء. وزاد بعضهم فكره الرواية ببلد فيه من


(١) في (ص): [وهو] ولا يطمئن به السياق.
(٢) من المحدث الفاصل: ٣٥٤ ف ٢٨٩ بتصرف يسير. وقابل على (الإلماع: ٢٠٤).
وعلى هامش (غ): [قال الشاعر:
إن الثمانين - وبُلِّغتَها - ................................................ قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وبدلتني بالشطاط انحنا ................................................ وكنت كالصعدة تحت السنان
ولم تدع فيَّ لمستمتع ................................................. إلا لساني وبحسبي لسان]
وهي في (الإلماع: ١٢٠).
والأبيات من قصيدة مطولة، لأبي المحلم " عوف بن المحلم، الخُزاعي " شاعر عباسي مجيد، كان منقطعًا لآل طاهر بن الحسين. ت سنة ٢١٤ هـ في عهد المأمون. انظرها في (الأغاني ٤/ ١٤٥) و (رسالة الغفران: ٥٧٦) ط الذخائر. مع تخريجها على هامش الإلماع: ٢١٠.
(٣) معهما غيرهما في (الكفاية: باب ما جاء في ترك السماع ممن اختلط وتغير) ١٣٥ - ١٣٧.
(٤) الإلماع: ٢٠٧.

<<  <   >  >>