للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي ظلّوا يحكمونه أمداً طويلاً، ثم انتصر عليهم انتصاراً حاسماً في شمالي بواتيه سنة (٥٠٧ م) كما ذكرنا وأجلاهم عن جلّ ما كان في سيطرتهم من أرض جنوبي فرنسة، فلم يبق لهم إلا إقليم سبتمانية المتاخم لجبال البرت من الشمال ويمتد حتى نهر الرون وعاصمته نربونة.

وبهذا اقتصر سلطان القوط الغربيين على إسبانيا، وأخذت علاقة إسبانيا مع بقية العالم الأوروبي الواقع إلى شمال جبال البرت تفتر. ولما وحّد القوط الغربيون شبه الجزيرة الإسبانية كلها تحت سلطانهم، أخذت إسبانيا تظهر كوحدة سياسية وجنسية للمرة الأولى في التاريخ. وذلك أمر له خطورته، لأن الإغريق لم يعرفوا منها إلاّ الغرب وبعض الجنوب، ولأن الرومان كانوا يقسمونها ولايات مختلفة لا علاقة بين بعضها. أما القوط فقد اعتبروا شبه الجزيرة الإسبانية كلها قطراً واحداً، واتخذوا لهم عاصمة تقع فى وسط شبه الجزيرة، هي: طُليطلة. ولعل أظهر أثر لاستقرار القوط في طُليطلة، هو تحولهم إلى إسبان، في وقت قصير، لأن المقيم في طليطلة، تنقطع الصلات بينه وبين ما يلي البرت وما يلي بحر الزقاق، ويتأقلم ويصبح إسبانياً. أما المقيم في قرطبة، فتظل صلته بإفريقية وما يتصل بها من بلاد الشرق، أوثق وأظهر من صلاته بجليقية ونواحي جبال البرت.

واستطاع القوط من عاصمتهم طليطلة، أن يستولوا على إسبانيا كلها، ولكن سلطانهم لم يستقر في البلاد أول الأمر بسبب ما ثار بينهم وبين أهل إسبانيا من منازعات دينية، وبسبب ما شجر بين أمرائهم من خلافات. وطمع ثيودوريك ملك القوط الشرقيين في عرش إسبانيا، فغزاها وأقام حفيداً له على عرشها، ولكن لم يلبث أحد قواد القوط الغربيين الأقوياء أن ثار بهذا الدخيل، وأعلن نفسه ملكاً على إسبانيا، بفضل معاونة حربية أمدّه بها جُستنيان إمبراطور بيزنطة في سنة (٥٥٤ م)، وانضم إليه أهل البلاد من الإسبان الرومان الكاثوليك، واحتل المنطقة الواقعة بين نهر الوادي الكبير ونهر جُكَرْ (نهر شقر)، وانفصل هذا الإقليم عن طليطلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>