للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القديم، إذ لم يكن لهم هم أنفسهم نظام اجتماعي مقبول، قبل أن يدخلوا الدولة الرومانية ويستقروا في أرضها ويقتبسوا نُظُمها، ولكن ذلك لا يمنع من أن يكونوا قد أنعشوا المجتمع الروماني المضمحل، وأدخلوا عليه عناصر جديدة نشيطة، توجهه توجيهاً جديداً.

وينبغي أن نقول أيضاً، إن القوط، كانوا أقل إنسانية ونظاماً من طوائف البرابرة الأخرى، التي استقرت في إسبانيا، حتى الفاندال أنفسهم، لأن الفاندال كانوا لا يبهظون البلاد التي ينزلون فيها، بتكاليف حكومية ضخمة، تريد أن تستقصي كل شيءٍ، وتتشبه بالرومان: كانوا يزيلون النظام القديم بمحاسنه ومساوئه، أما القوط فقد احتفظوا بمساوئ هذا النظام، وأضافوا إليه مساوئهم، فعم ضررهم الجميع، من المزارع الصغير، والقنّ الفقير، إلى الغني صاحب الضياع، ولم يتدخل الفندال أو السوييف في مسائل الناس الدينية، أما القوط فتدخلوا واضطهدوا مخالفيهم كما رأينا، فعمَّ بلاؤهم الناس أجمعين (١).

ولم يعمل القساوسة شيئاً لتحسين حال الناس، ولم يحاول أحدهم أن يعترض على ما كان الأغنياء يسرفون فيه من الاستبداد بالضعفاء والاستكثار من العبيد، وكان عدد العبيد كبيراً جداً، وكان الأغنياء يقتنونهم بالآلاف، ويعاملونهم معاملة قاسية كأنهم بعض المتاع، وقد يئس هؤلاء المساكين من كل إنصاف من جانب الحاكمين أو من جانب رجال الدين، وباتوا يترقبون الخلاص (٢).

ولم يكن أوساط الناس من أهل المدن والضياع وأحرار الزراع أحسن حالاً، لأن ملوك القوط لم يلتفتوا إلى شيءٍ يعود بالخير على عامة الناس، ولم يؤثر عنهم إنشاء قنطرة أو تعبيد طريق أو وضع قانون يخفف عن الناس مظالم الحكام أو يجعلهم في مأمن من الظلم والعدوان، وقد كانوا هم أنفسهم


(١) Dozy. op. cit. ١,p.٢٥٨
(٢) Dozy.Musulmans d'Espagne,١,p.٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>