للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُخَيَّر بين أمرين: إما التّعميد والتنصر، وإمّا الجلاء (١)، فاختار العرب المسلمون الجلاء فراراً بدينهم وشعبهم، ليعيشوا في جوّ أمانٍ واطمئنان، فنشأت منهم مملكة في غرناطة عدد نفوسها ثلاثة ملايين نسمة، وكان ذلك في القرن الخامس عشر الميلادي، وهو من مخازي الأمم النصرانية، فالبلاد التي نشاهدها اليوم في غاية الفقر والخراب، كانت هي فردوس أوروبة في أيام العرب المسلمين.

وقد جلب العرب المسلمون مياهاً كثيرة من الجبال وأعالي الأنهار، بسبب علمهم ونشاطهم اللذين ليس لهما نظير، فوصلت الفلاحة والغرس بذلك إلى أوج رقيهما. قال اسكوت: "لقد فاقت في علوّ قدرها وأهميتها في نتاجها العملية، جهود جميع الأمم المتقدمة والمتأخرة"، ومقابلة زراعة العرب المسلمين بما كانت عليه أوروبا من البؤس والعدم على وجه العموم، تجعل لها أعظم وقع في النفس. والنتيجة أنّ الأقوات كانت كثيرة ورخيصة في الأندلس، وكانت أنواعاً مختلفة، وصارت غرناطة مثل قرطبة غنيّة وجميلة جداً، وكانت جنّات الكرم والتوت الواسعة تؤتي أهلها أحسن الخمور وأجود الحرير. وكانت الفُرَض (٢) التي وراء الجبال على المحيط، تمدّهم بجميع الطُّرف ومواد النعمة والرفاهية النادرة التي كانت توجد في قرطبة، وكانت الصناعات العربية الإسلامية أيضاً في أوج ارتقائها، وكانت هناك مقادير


(١) ويناسب هذا المقام، ما ورد في كتاب: (ماذر أمريكا = أمريكا الأم) للدكتور بوز الهندي، فيما نقله عن القسيس الأمريكي: (كيلكي Gilkey) من أكابر علماء أمريكا، وهذا معناه: "هل نحن الأمريكيين نصارى حقيقة، أم الشرقيون هم النّصارى حقاً؟ نرى أنّ الشرقيين يؤمنون بالمسيح ويتبعون أوامره، ويستنكفون عن اتباع مذاهب الغربيين، فيجب علينا معاشر الأمريكيين إما أن نثبت إدعاءاتنا، وإما نتركها نهائياً، لأننا نرى في الشرق أنّ الأجنبي يعامل بكل لطف واحترام، ويبذلون كلّ جهد في إسعافه بما يحتاج إليه. وكم منا يعامل الشرقيين كما ينبغي أن يعامل به البشر".
(جوزف ماك جب - حضارة العرب في الأندلس ص: ٦٦).
(٢) تعرف عند العامة بالموانئ.

<<  <  ج: ص:  >  >>