للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحقيق هذه السيطرة الكاملة، لولا تطبيق روح الإسلام في السير على سياسة التعاون والاندماج بين العرب المسلمين والبربر المسلمين، وكان بإمكان أسلاف موسى أن يحققوا النصر في تلك الأصقاع النائية بوقت أقصر لو اتبعوا منذ البداية سياسة أبي المهاجر (١) دِينَار الإيجابية في هذا المجال (٢).

ومن الواضح، أن أول مزية من مزايا قيادة طارق، التي أهّلته لتولي منصبه القيادي، هي أنه بربري، فقد كان السواد الأعظم من جيشه والأغلبية المطلقة من البربر المسلمين، وكان العرب المسلمون في طنجة أقلية مطلقة أيضاً، يقتصر واجب رجالها على الدعوة إلى الله، فهم من الدعاة لا من القادة، فرأى موسى أن يولي طارقاً على قومه البربر المسلمين، فهو منهم وإليهم، يعرف آمالهم وآمالهم، ويستطيع التفاهم معهم وحل مشاكلهم ومعالجة معضلاتهم بسهولة ويسر، وهو أقدر على قيادتهم وإدارتهم من عربي مسلم غريب عنهم، كما أنه قادر على التأثير في نفوس البربر، لأنه ليس غريباً عنهم، ويتقبّلون التعامل معه أكثر مما يتقبلون التعامل مع قائد أو إداري غريب عليهم، يشعرون أنه سيِّدهم وهم تَبَع له وهو مفروض عليهم، بعكس شعورهم بالنسبة لقائد أو إداري من البربر، يشعرون أنهم أنداد له، وهو ليس مفروضاً عليهم، بل من أبنائهم.

ولكن مزيته البربرية وحدها لا تكفي لتولي القيادة، فيبدو أنه كان مؤمناً صادقاً، حَسُنَ إسلامُه، وأصبح ولاؤه للإسلام وتعاليمه، وبذلك رضي الدعاة العرب أن يعملوا معه وبإمرته وإدارته وتوجيهه، ولولا ذلك لرفضه البربر المسلمون والدعاة العرب في مثل تلك الأيام في أيام الفتح والجهاد والدعوة إلى الله.

وقد ولاه موسى على مقدمته في حركته لفتح طنجة، وقد كان موسى من


(١) أبو المهاجر دينار: أنظر سيرته المفصّلة في كتابنا قادة فتح المغرب العربي (١/ ١٣٧ - ١٤٩).
(٢) الفتح والاستقرار العربي الإسلامي في شمال إفريقيا والأندلس (١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>