للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبق فيهم راجل، وفَضَلت عنهم الخيل. وكَمن المسلمون بعُدْوَة نهر شَقُنْدَة ( Secunda) في غَيْضَة أرْز شافحة، وأرسلوا الأدلاّء فأمسكوا راعي غنم، فسئل عن قرطبة، فقال: "رحل عنها عظماء أهلها إلى طُلَيْطِلَة، وبقي فيها أميرها في أربعمائة فارس من حُماتهم مع ضعفاء أهلها". وسُئل عن سورها، فأخبر أنه حصين عال فوق أرضها، غير أنه فيه ثُغرة، ووصفها لهم (١). وشقندة هذه، هي حيّ الرّبَض (الضاحية) في جنوبي قرطبة، في الضفة الأخرى من نهر الوادي الكبير (٢) ( Guadalquivir) مقابل قرطبة. وتربّص المسلمون على الضفة اليسرى من نهر الوادي الكبير بالقوط، وأخذوا يستطلعون أخبار القوط، ويجمعون المعلومات عنهم قبل أن يعبروا النهر ويهاجموا البلد. وكان أهل قرطبة كارهين لأمر القوط عامة، لأن القوط كانوا مختصين أنفسهم بالجزء الغربي من البلد، وتركوا جزءه الشرقي لأهل البلد الأصليين، كما كان الرومان قبلهم يفعلون (٣)، وأقاموا سوراً بينهم وبين أهل البلد الأصليين حتى لا يقرب هؤلاء مساكنهم كأنهم منبوذون. وكان البلد حصيناً حوله سور من الحجر الضخم، ولكن الظاهر أنه كان متداعياً في بعض أجزائه، فيه ثغرات يمكن النفوذ منها، وكان الجزء الذي يقابل القنطرة التي تقع على النهر، والتي كانت مهدّمة في حينه من السور وما وراءه من البلد، هو الجزء المخصص لسكان البلد الأصليين من الإيبيريين الرومان، وفيه الكنيسة الجامعة (الكاتدرائية). ولم يصعب على المسلمين الإتصال بنفر من سكان قرطبة المحليين، وبمعونة هؤلاء استطاعوا العبور في ليلة من ليالي آب (أغسطس) (٤) غزيرة المطر، وكان عبور المسلمين نهر الوادي الكبير في


(١) البيان المغرب (٢/ ٩ - ١٠) ونفح الطيب (١/ ٢٦٠ - ٢٦١).
(٢) جغرافية الأندلس وأوروبا (١٣٩).
(٣) Saavedra. OP. Cit. P. ٨١-٨٢
(٤) يقول الرازي: "وأقبل المسلمون رويداً حتى عبروا نهر قرطبة ليلاً، وقد أغفل حرس المدينة احتراس السور، فلم يظهروا عليه، ضيقاً بالذي نالهم من المطر والبرد، =

<<  <  ج: ص:  >  >>