للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسلمين في الأندلس، وبدأت حياة جديدة. ولكن سرعان ما اختلف المرابطون مع الطوائف، فحطموا دول الطوائف، وبسطوا حكمهم على الأندلس زهاء نصف قرن. ولما سقطت دولة المرابطين في المغرب، وقامت على أنقاضها دولة الموحدين، عَبَرَ الموحدون البحر إلى الأندلس، وبسطوا عليها حكمهم زهاء قرن آخر، وفي ظلّ الموحدين، أحرزت الأندلس المسلمة كما أحرزت في الزلاقة أيام المرابطين، نصرها الحاسم على إسبانيا النصرانية، بقيادة يعقوب المنصور ملك الموحدين، وذلك في موقعة الأرك الشهيرة (٥٩١ هـ - ١١٩٤ م) (١)، ولكنها ما لبثت أن لقيت هزيمتها الحاسمة. بعد ذلك بقليل، على يد إسبانيا النصرانية في موقعة العقاب (٦٠٩ هـ - ١٢١٢ م) (٢)، وكانت هزيمة العقاب ضربة شديدة لسلطان الموحدين وللأندلس المسلمة، فعاد شبح الفناء يلوح للأندلس قوياً منذراً، وسرى هذا التوجّس إلى كُتّاب العصر وشعرائه، وظهر واضحاً في رسائلهم وقصائدهم، ومن ذلك ما قاله أبو اسحاق إبراهيم بن الدّباغ الإشبيلي معلقاً على موقعة العقاب:

وقائلة أراك تطيل فكراً ... كأنك قد وقفت لدى الحساب

فقلت لها أُفكِّر في عقاب ... غداً سبباً لمعركة العقاب

فما في أرض أندلس مقام ... وقد دخل البلا من كلّ باب (٣)

وفي خلال ذلك، كانت الأندلس، تضطرم بأشنع ضروب الخلاف والفتن، والثغور والقواعد يتناوبها الرؤساء والمتغلِّبون، وإسبانيا النصرانية تنزل ضرباتها المتوالية بالمسلمين، وتستولي تباعاً على القواعد والثغور.

والحقيقة أن الجهد المضطرم الذي بذلته إسبانيا النصرانية يومئذ، لانتزاع القواعد الأندلسية لم يكن سوى الذروة من مرحلة طال أمدها، من حركة


(١) وتعرف في الإسبانية بموقعة: Alarcos
(٢) وتعرف في الإسبانية بموقعة: Las Navas de Talasa
(٣) نفح الطيب (مصر)، (٢/ ٥٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>