للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعترف بخطئه في عبارات مؤثرة. يقول بعد الديباجة موجهاً خطابه إلى سلطان فاس "هذا مقام العائذ بمقامكم المتعلِّق بأسباب ذمامكم، المترجي لعواطف قلوبكم، وعوارف إنعامكم، المقبِّل الأرض تحت أقدامكم، المتلجلج اللّسان عند مفاتحة كلامكم. وماذا يقول مَن بوجهه خجل، وفؤاده وجل، وقضيته المقتضية عن التنصّل والاعتذار تجل. بيد أني أقول لكم ما أقوله لربي، واجترائي عليه أكثر، واحترامي إليه أكبر: اللهم لا بريء فأعتذر، ولا قوي فانتصر، لكني مستقبل مستنيل، مستعتب مستغفر، وما أبرّئ نفسي إنّ النفس لأمارة بالسوء. على أني لا أنكر عيوبي، فأنا معدن العيوب، ولا أجحد ذنوبي، فأنا جبل الذنوب، إلى الله أشكو عجري وبجري وسقطاتي وغلطاتي .. ".

بيد أنه يدفع عنه تهم التفريط والزّيغ والخيانة، ويقول: "فمثلي كان يفعل أمثالها. ويحمل من الأوزار المضاعفة أحمالها، ويهلك نفسه ويحبط أعمالها، عياذاً بالله من خسران الدين، وإيثار الجاحدين والمعتدين، وقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين. وأيم الله لو علمت شعرة في فودي تميل إلى تلك الجهة لقلعتها، بل لقطفت ما تحت عمامتي من هامتي وقطعتها. غير أن الرعاع في كل وقت وأوان، للملك أعداء وعليه أحزاب وأعوان ... وأكثر ما تسمعه الكذب، وطبع جمهور الخلق إلاّ مَن عصمه الله إليه منجذب، ولقد قُذِفنا من الأباطيل بأحجار، ورُمينا بما لا يُرمى به الكفار، فضلاً عن الفجار، وجرى من الأمر المنقول على لسان زيد وعمرو، ما لكم منه حفظ الجبار ... أكثر المكثرون، وجهد في تعثيرنا المتعثرون، ورمونا عن قوس واحدة، ونظمونا في سلك الملاحدة. أكفراً أيضاً كفراً؟! غفراً اللهمّ غفراً، وهل زدنا على أن طلبنا حقّنا ممن رام محقه ومحقنا، فطاردنا في سبيله عُداة كانوا لنا غائظين، فانفتق علينا فتق لم يمكنا له رتق، وما كنا للغيب حافظين".

ثم يقول أبو عبد الله، لئن كان قد نزل به القضاء فثلّ عرشه، ونُكس لواؤه، ومُلك مثواه، فهو مِثْلُ من سواه في ذلك. ولئن كان مروّعاً مصير غرناطة

<<  <  ج: ص:  >  >>