تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 08 - 2009, 09:36 ص]ـ

ومن ذلك أيضا:

قوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى): وذلك من دليل الإيجاد في عالم النبات. فهو خاص.

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ: وذلك من دليل الإيجاد والإعدام عموما، في عالم النبات أو في عالم الحيوان الحساس المتحرك من باب أولى، أو في غيرهما من العوالم التي لا ندركها بحواسنا الظاهرة، لدقتها كالبكتيريا والفيروسات .......... إلخ، أو ما حجب عنا من عالم الجن والشياطين فمعاني الزوجية والذرية ... إلخ فيها كائنة، على حد قوله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي)، فجماعاتهم تحاكي جماعات الإنس، إذ فيهم الذكر والأنثى، الكبير والصغير، المؤمن والكافر، البر والفاجر ......... إلخ، وإن كانوا أضعف عقولا، ومعنى الزوجية من أدلة الفقر الذاتية في كل الكائنات، إذ لا ينفك الزوج عن افتقار إلى زوجه ليستكمل به، وطلب الكمال لا يكون إلا فرعا عن نقصان أول، فينشأ الصغير ضعيفا عاجزا، ثم يستكمل من أسباب القوة ما يصير به قويا قادرا على حد قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)، ثم يطرأ عليه التغير بالنقصان إظهارا للكمال المطلق للرب، جل وعلا، فلا يعتريه تغير أو نقصان، ولا تطرأ عليه زيادة، فله من الكمال المنتهى أولا وآخرا، في مقابل كمال العبد المقيد الذي يعتريه النقصان بل الفساد والعدم بزوال سبب البقاء، ويطرأ عليه الكمال باستكمال أسبابه فيتعلم من جهل، ويقوى من ضعف ......... إلخ، فذلك وجه باين فيه الخالق، عز وجل، المخلوق، وظهر به كمال قدرة الرب، جل وعلا، الذي باين في أحوال خلقه زيادة ونقصا، وذلك من معاني الربوبية القاهرة: ربوبية الإيجاد والإعدام، ربوبية: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) فالرب، جل وعلا، هو الذي يخلق الشيء وضده، إمعانا في إظهار كمال قدرته البالغة التي لا تنفك عن حكمة باهرة، فهو العزيز وصفا، الحكيم فعلا وخلقا، فعن ذينك الوصفين، كما تقدم في أكثر من مناسبة، يصدر فعل الرب، جل وعلا، في خلقه، فتجري فيهم أقداره وسننه الكونية فرعا عن معاني أسمائه: القدير والقوي والعزيز جلالا، والعليم والخبير والحكيم جمالا.

وبعد دلالة الإيجاد: التنبيه على لازمها من كمال الإقبال على الرب، جل وعلا، تألها وتذللا، الذي دل عليه اسم الله: على القول باشتقاقه من التأله، فالرب الذي خلق وأوجد هو: الله الذي يعبد بما شرع على ألسنة رسله عليهم السلام، فهم الواسطة بين الحق والخلق، فليسوا وسائط روحانية بين الرب والعبد يستشفع بها على حد الإشراك باسم التوسل بالجاه، وإنما هم وسائط تبليغية يتوسل بمحبتهم والإيمان بهم وامتثال رسالاتهم تصديقا بالخبر وامتثالا للحكم على حد التكليف أمرا ونهيا فهو مئنة من كمال الاستسلام والانقياد فيصدق العمل الظاهر العلم الباطن، فذلك الذي يصح التوسل به إلى مرضاة الرب، جل وعلا، إذ لا يتوسل العبد بكسب غيره، وإنما يتوسل بكسبه، وذلك جار على قانون الثواب والعقاب الموافق لصريح العقل، فالشرع لا يأتي بما يعارضه، بل خبر الوحي الصحيح يزكي العقل الصريح ويؤيده.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"والفرق بين الموحدين والمشركين أن الموحدين يقولون إن ما أمرت به الرسل من العبادات إنما يتقرب به إلى الله تعالى والأجر فيه على الله تعالى وإنما على الرسول البلاغ ليس عليه حصول الثواب ولا يشترط أن يكون واسطة في وجوده بل يخلق الله الثواب بغير واسطة الرسول وأما شفاعة الرسول فهي دعاء لله تبارك وتعالى وهؤلاء يقولون لا يحصل إلا بتوسطهم وإن فاض عنهم بغير قصد، فهذا أصل ينبغي معرفته". اهـ

"الرد على البكري"، ص280.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير